279- مع الحبيب المصطفى:﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

279ـ ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَا طَلَبَ مِنَ العَبْدِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومَاً، بَلْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَوَّابَاً مُنِيبَاً مُسْتَغْفِرَاً، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَسْأَلُونَ اللهَ تعالى المَغْفِرَةَ وَالتَّوْبَةَ وَالإِنَابَةَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلَهُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنَاً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾.

وَقَالَ تعالى مُخْبرَاً عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ قَوْلَهُ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾.

بَلْ قَالَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ الإِيمَانِ، وعلى نِعْمَةِ اسْتِغْفَارِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَنَا قَبلَ خَلْقِنَا؟ كَمْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى على هَذِهِ النِعْمَةِ بِأَن جَعَلَنَا مِمَّنْ دَخَلَ في عُمُومِ دُعَاءِ وَاسْتِغْفَارِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخَاصَّةً في دُعَاءِ وَاسْتِغْفَارِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَنَا؟

كَمْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى على هَذِهِ النِعْمَةِ نِعْمَةِ الإِيمَانِ، حَيْثُ جَعَلَ اللهُ تعالى المَلَائِكَةَ المُقَرَّبِينَ وَحَمَلَةَ العَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لَنَا، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمَّتِهِ أُمَّةِ الإِجَابَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾. وَهَذَا مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، فَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى بِالاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَخَاصَّةً لِمَنْ جَاءَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابَاً رَحِيمَاً * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾. وَهَذَا عَامٌّ في حَقِّ كُلِّ المُؤْمِنِينَ، وَمَنْ خَصَّصَهُ في حَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ بِدَلِيلٍ.

غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى النسائي عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ؛ فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «وَلَكَ».

قُلْتُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكُمْ». فَقَالَ: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾.

«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ للأُمَّةِ، أَحْيَاءً وَمَيْتِينَ، فَقَدْ رَوَى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ ،غَدَاً مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ».

وَهَذَا الدُّعَاءُ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَمَانَاً وَلَا قَوْمَاً وَلَا أُنَاسَاً، بَلْ جَعَلَهُ مُطْلَقَاً، وَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ مَوْتَنَا في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَ قُبُورَنَا في بَقِيعِ الغَرْقَدِ، لَعَلَّنَا أَنْ نَنَالَ بَرَكَةَ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

«اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ على أُمَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنْ جَعَلَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لِأُمَّةِ الإِجَابَةِ وَهُوَ في عَالَمِ البَرْزَخِ، روى البزار عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَنُحَدِّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَيَحْرُمُ على العَبْدِ أَنْ يُسَوِّفَ في التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، أَو أَنْ يُؤَخِّرَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يَنْتَهِي أَجَلُهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

لِنَصْدُقْ في تَوْبَتِنَا وَاسْتِغْفَارِنَا لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِنَيْلِ اسْتِغْفَارِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَنَا، وَخَاصَّةً بِاسْتِغْفَارِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِغْفَارِ حَمَلَةِ العَرْشِ؛ وَالمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ اسْتِغْفَارَهُمْ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 16/ جمادى الأولى /1438هـ، الموافق: 13/ شباط / 2017م