162ـ نحو أسرة مسلمة :من الحب والوفاء للزوجة أن تأخذ على يدها

 

نحو أسرة مسلمة

162ـ من الحب والوفاء للزوجة أن تأخذ على يدها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حَيَاةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الزَّوْجِيَّةَ تُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَكُونُ تَعَامُلُ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَكَيْفَ يَكُونُ تَعَامُلُ المَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَلَطَّفُ مَعَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يُعَامِلُهُنَّ بِرِقَّةٍ وَحَنَانٍ وَتَوَدُّدٍ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَالِكَاً لِقُلُوبِهِنَّ بِحُسْنِ أَخْلَاقِهِ، وَحُسْنِ تَعَامُلِهِ، مَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ تَجَاوُزَاتٌ شَرْعِيَّةٌ، فَإِذَا مَا حَصَلَتْ بَعْضُ التَّجَاوُزَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ـ لِأَنَّهُ لَا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ» ـ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ على يَدِ مَنْ خَالَفَ.

تَرْبِيَةُ النِّسَاءِ على حِفْظِ اللِّسَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِكَثْرَةِ آفَاتِ اللِّسَانِ، والتي قَدْ تَكُونُ سَبَبَاً لِدُخُولِ نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  قَالَ لَهُ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» ـ وَأَشَارَ إلى لِسَانِهِ ـ.

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».

فَإِنَّهُ يَجِبُ على الزَّوْجِ الذي هُوَ رَاعٍ في بَيْتِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَنْ يُرَاعِيَ ذَلِكَ في زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ آفَاتِ اللِّسَانِ عِنْدَ النِّسَاءِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ مُنْفَصِلَاتٍ عَنِ الرِّجَالِ في هَذَا المَوْضُوعِ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرَاً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرَاً مِنْهُنَّ﴾.

«لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمْ يَكُنْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يرْضَى مِنْ زَوْجَاتِهِ ذَلِكَ، وَلَو كَانَ شَيْئَاً قَلِيلَاً وَيَسِيرَاً، روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ـ  تَعْنِي قَصِيرَةً ـ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ».

قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانَاً.

فَقَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانَاً وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا».( أَي: فَعَلتُ مِثلَ فِعلِهِ وَقُلتُ مِثْلَ قَولِهِ )

مَا هَذَا الإِنْصَافُ؟ مَنِ التي نَقَلَتْ لَنَا هَذَا الحَدِيثَ؟ التي نَقَلَتْ لَنَا هَذَا الحَدِيثَ بِأَمَانَةٍ هِيَ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، لَقَدْ نَقَلَتْهُ بِأَمَانَةٍ وَلَو كَانَ الخَطَأُ مِنْهَا، نَقَلَتْهُ بِأَمَانَةٍ وَدِقَّةٍ لِتَتَعَلَّمَ الأُمَّةُ كَيْفَ يَكُونُ الإِنْصَافُ.

نَقَلَتْهُ لِتُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَنَّ على المَرْأَةِ أَنْ لَا يَضِيقَ صَدْرُهَا إِذَا وَجَّهَهَا زَوْجُهَا إلى مَا يُرْضِي اللهَ تعالى؛ وَإِلَّا فَالمَرْأَةُ هِيَ الخَاسِرَةُ لِدِينِهَا وَآخِرَتِهَا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغِيبَةُ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَلَكِنْ وَبِكُلِّ أَسَفٍ لَقَدْ أَصْبَحَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَتِهَا وَتَفَشِّيهَا في المُجْتَمَعِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ النِّسَاءِ، بَعْدَ أَنِ اسْتَهَانَ النَّاسُ في ارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ التي حَذَّرَ مِنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بِبَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجَ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ» رواه البيهقي والطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

«اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُخَالِقْ نِسَاءَنَا بِالخُلُقِ الحَسَنِ، وَلْنَغُضَّ الطَّرْفَ عَنْ بَعْضِ الأَخْطَاءِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ وَلَكِنْ إِذَا كَانَت هُنَاكَ تَجَاوُزَاتٌ شَرْعِيَّةٌ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنِ المُنْكَرِ، وَلْيَكُنْ أَمْرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُنَا عَنِ المُنْكَر بِالمَعْرُوفِ، وَلْنَتَعَلَّمْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَوْصَانَا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً، وَمِنَ الخَيْرِ أَنْ تَأْخُذَ على يَدِ زَوْجَتِكَ إِذَا تَجَاوَزَتْ حَدَّاً مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى.

روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ.

فَبَكَتْ؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟».

فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟».

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ طَيَّبَ خَاطِرَ السَّيِّدَةَ صَفِيَّةَ بِنْتُ حُـيَيِّ  بْنِ أَخْطَبَ، بِنْتُ زَعِيمِ اليَهُودِ، فَقَالَ لَهَا: «وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ» يَعْنِي: مِنْ سُلَالَةِ مُوسَى وَهَارُونَ، فَجَدُّكِ مُوسَى وَهُوَ نَبِيٌّ، وَأَخُوهُ هَارُونَ عَمُّكِ وَهُوَ نَبِيٌّ؛ وَعَلَاوَةً على ذَلِكَ: «وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ». صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ أَخَذَ على يَدِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: «اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلْنَنْظُرْ كَيْفَ حَلَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ المُشْكِلَةَ وَقَضَى عَلَيْهَا بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ وَبِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، فَأَعْطَى السَّيِّدَةَ صَفِيَّةَ أُمَّنَا، تِلْكَ الأُمَّ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ المُبَارَكَةَ حَقَّهَا، كَمَا أَعْطَى أُمَّنَا السَّيِّدَةَ حَفْصَةَ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ المُبَارَكَةَ حَقَّهَا مِنَ النُّصْحِ وَالزَّجْرِ عَنْ كَلَامٍ لَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَبِذَلِكَ أَصْلَحَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ الكَمَالُ المَطْلُوبُ، خُلُقٌ حَسَنٌ مَعَ الزَّوْجَاتِ، وَغَضُّ طَرْفٍ، وَقِلَّةُ عِتَابٍ؛ وَأَمَّا إِذَا تَعَدَّتِ الزَّوْجَةُ حَدَّاً مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى، فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهَا إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَبِدُونِ عُنْفٍ وَغِلْظَةٍ؛ وَهَذَا مِنَ الحُبِّ وَالوَفَاءِ للزَّوْجَةِ، وَإِلَّا فَمَنْ سَكَتَ عَنِ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ التي يَرَاهَا مِنْ زَوْجَتِهِ فَلَمْ يَنْصَحْهَا، فَهُوَ في الحَقِيقَةِ قَدْ غَشَّهَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا الحِكْمَةَ في أُمُورِنَا كُلِّهَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 22/ جمادى الأولى /1438هـ، الموافق: 19/ شباط / 2017م