147ـ «لَعَلَّ رَجُلَاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ»

نحو أسرة مسلمة

147ـ «لَعَلَّ رَجُلَاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَأْنُ العُقَلَاءِ أَنْ يُحَقِّقُوا لِأَنْفُسِهِمُ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ إلا طَمَعَاً في السَّعَادَةِ التي يَنْشُدُهَا، وَالزَّوَاجُ هُوَ مِنْ أَهَمِّ الأُمُورِ في تَحْقِيقِ السَّعَادَةِ للرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

وَالعَاقِلُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ هُوَ الذي يَبْتَعِدُ عَنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ؛ مِنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ:

أولاً: الحَدِيثُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ التي يَجِبُ الابْتِعَادُ عَنْهَا حَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَحَدِيثُ المَرْأَةِ مَعَ الرَّجُلِ الأَجْنَبِيِّ، وَلَو نَظَرْنَا نَظْرَةَ إِنْصَافٍ لَوَجَدْنَا جُلَّ المَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ بِسَبَبِ حَدِيثِ الزَّوْجِ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَحَدِيثِ الزَّوْجَةِ مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَصْلُ في حَدِيثِ الرَّجُلِ مَعَ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ، أَنْ لَا يَكُونَ إلا لِحَاجَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ حَاجَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حَدِيثٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

وَنَصَّ الفُقَهَاءُ على المَنْعِ مِنَ التَّكَلُّمِ مَعَ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ، مَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ أَو حَاجَةٌ مُلِحَّةٌ، فَإِنْ وُجِدَتِ الحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ، تَكَلَّمَتِ المَرْأَةُ قَوْلَاً فَصْلَاً جَزْلَاً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفَاً﴾.

يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: أَمَرَهُنَّ اللهُ تعالى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُنَّ جَزْلَاً، وَكَلَامُهُنَّ فَصْلَاً، وَلَا يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يُظْهِرُ في القَلْبِ عَلَاقَةً بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنَ اللِّينِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ سَدَّ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ عَلَيْنَا أَبْوَابَ الفِتْنَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الأَبْوَابِ التي سَدَّهَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ الحَدِيثُ مَعَ المَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، لِأَنَّ القُلُوبَ مِنْهَا قَلْبٌ صَالِحٌ، وَمِنْهَا قَلْبٌ مَرِيضٌ.

فَهُنَاكَ طَائِفَةٌ مِنَ الرِّجَالِ قُلُوبُهُمْ صَالِحَةٌ نَقِيَّةٌ صَفِيَّةٌ، وَأُخْرَى فِيهَا مَرَضٌ، وَمَا دَامَتِ القُلُوبُ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا إلا اللهُ تعالى فَقَدْ أَغْلَقَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ هَذَا البَابَ على الجَمِيعِ، رَحْمَةً بِالأُمَّةِ وَخَشْيَةً عَلَيْهَا مِنَ الفِتْنَةِ وَالفَسَادِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَقِّبُوا في أَسْبَابِ المَشَاكِلِ الأُسْرَوِيَّةِ، فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ الكَثِيرَ مِنْهَا بِسَبَبِ حَدِيثِ الزَّوْجِ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَحَدِيثِ المَرْأَةِ مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً أَو كِتَابَةً؛ أَسْأَلُ اللهَ تعالى تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحَاً لَنَا وَلِلْجَمِيعِ.

ثانياً: نَشْرُ أَسْرَارِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ التي يَجِبُ الابْتِعَادُ عَنْهَا نَشْرُ أَسْرَارِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَحَدِيثُ المَرْأَةِ عَنْ عَلَاقَاتِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ، لِأَنَّ صَاحِبَ الحَيَاءِ لَا يَسْتَطِيعُ الحَدِيثَ عَنْ هَذِهِ المَوَاضِيعِ التي هِيَ سَبَبٌ لِتَحْرِيكِ الغَيْرَةِ في قَلْبِ الآخَرِ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى حُصُولِ المَشَاكِلِ.

وَلَقَدْ حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ للإمام أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: «لَعَلَّ رَجُلَاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ (أَيْ: سَكَتُوا)».

فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ.

قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانُ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حِفْظُ الأَسْرَارِ مِنْ مَفَاتِيحِ قَلْبِ الزَّوْجَيْنِ، عِنْدَمَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَمِينَاً حَافِظَاً لِأَسْرَارِ زَوْجَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا في العَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالزَّوْجَةُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّاً مِنْهُمَا فَتَحَ قَلْبَ الآخَرَ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، على العَكْسِ مِمَّنْ يُفْشِي الأَسْرَارَ أَسْرَارَ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.

مَا أَجْمَلَ السَّتْرَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَخَاصَّةً في العَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، فَسَأَلَهُ بَعْضُهُمْ: مَا السَّبَبُ؟

فَقَالَ: العَاقِلُ لَا يَهْتِكُ سِتْرَاً.

فَلَمَّا طَلَّقَهَا، قِيلَ لَهُ: لِمَاذَا طَلَّقْتَهَا؟

فَقَالَ: مَا لي وَمَا لَهَا! إِنَّهَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةُ عَنِّي.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ لَا يَنْشُرَ صُوَرَاً على هَاتِفِهِ لِبَعْضِ الأَشْيَاءِ التي تُشِيرُ إلى حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّ الخَيَالَ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى في إِثَارَةِ الشَّهَوَاتِ مِنَ العَيَانِ، وَهَذِهِ الأُمُورُ تُثِيرُ غَيْرَةَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ نَحْوَ الآخَرِ.

لَقَدْ أَغْلَقَ القُرْآنُ هَذَا البَابَ، وَخَاصَّةً على النِّسَاءِ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾. لَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُذَكِّرُ الرِّجَالَ بِلَهْوِ النِّسَاءِ، وَيُثِيرُ فيه الشهوات مِنْ كُلِّ مَا يَرَى أَو يَسْمَعُ مِنهُنَّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَدْ تَسْتَهِينُ المَرْأَةُ بِمِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ، فَتَنْشُرُ صُوَرَاً وَرُسُومَاً على أَجْهِزَةِ النَّقَّالِ مِمَّا تُشِيرُ إلى عَلَاقَتِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَهِيَ لَا تَدْرِي أَنَّهَا تَكُونُ سَبَبَاً للفِتْنَةِ فِيهَا، وَبَعْدَ الفِتْنَةِ تُسِيءُ العَلَاقَةَ مَعَ زَوْجِهَا مِنْ حَيْثُ تَدْرِي، وَمِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي.

روى الترمذي والحاكم عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ.

فَقَالَ: «وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟».

قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ القَمَرِ.

قَالَ: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ جَيِّدَاً، هَذَا الرَّجُلُ فُتِنَ بِمَنْ؟ فُتِنَ بِزَوْجَتِهِ لَا بِغَيْرِهَا، مَا الذي فَتَنَهُ وَأَوْقَعَهُ في المُخَالَفَةِ الشَّرْعِيَّةِ، حَيْثُ وَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ؟ هُوَ خَلْخَالُ زَوْجَتِهِ، الذي مَوْضِعُهُ القَدَمُ؛ فَكَيْفَ تُظْهِرُ المَرْأَةُ وَتَنْشُرُ بَعْضَ الصُّوَرِ وَالرُّسُومِ التي تَدُلُّ على عَلَاقَتِهَا مَعَ زَوْجِهَا؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ تعالى في كُلِّ أَمْرٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى ضَمِنَ للمُتَّقِي حَيَاةَ السُّعَدَاءِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ التَّقْوَى. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 29/ محرم /1438هـ، الموافق: 30/ تشرين الأول / 2016م