39ـ مشكلات وحلول: حكم مصافحة المرأة الأجنبية

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أجمع علماء الأمة سلفاً وخلفاً على تحريم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه، وعلى هذا جرى العمل في المذاهب الأربعة المتبعة.

والدليل على تحريم ذلك:

أولاً: ما رواه البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ، لا وَالله مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلامِ، وَالله مَا أَخَذَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ إِلا بِمَا أَمَرَهُ الله، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: (قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلامًا).

ثانياً: ما رواه الإمام مالك في الموطأ والترمذي ـ وقال: حديث حسن صحيح ـ والنسائي وابن ماجه عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أَتَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الإِسْلامِ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ الله نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لا نُشْرِكَ بِالله شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ). قَالَتْ: فَقُلْنَ: الله وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ).

ثالثاً: ما رواه الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. ففي الحديث وعيد شديد لمن يمس امرأة لا تحل له، ولا شك في أن المصافحة من المسّ.

رابعاً: ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: وَالله مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ.

خامساً: ما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح النساء في البيعة.

سادساً: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. ومعلوم أنّ المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب، فإذا احتجبت فكيف تكون المصافحة؟

سابعاً: قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. وقال الفقهاء: النظر حرام باتفاق الفقهاء إذا كان متعمَّداً، وكان بغير سبب مشروع، لأن النظر سبب داعٍ إلى الفتنة، واللمس الذي فيه المصافحة أعظم أثراً في النفس، وأكثر إثارة للشهوة من مجرد النظر بالعين، وكل إنسان منصف يعلم ذلك.

ويقول الإمام النووي رحمه الله في كتاب الأذكار: وقد قال أصحابنا: كل ما حرم النظر إليه حرم مسُّه، بل المسُّ أشدُّ.

وإذا أراد الرجل أن يتزوَّج امرأةً فإنه ينظر إليها، ولا يجوز له أن يمسَّها، لأننا إذا قلنا بجواز المسِّ فإننا نقع في ورطة عظيمة خطيرة ألا وهي جواز تقبيل ما جاز مسُّه، وما أظن أن مسلماً ملتزماً حذقاً يعيش في مجتمع كهذا المجتمع يقول بهذا.

وبناء على ذلك:

فإنه يحرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية باتفاق الفقهاء سلفاً وخلفاً، ومن شذَّ عن قول الجمهور فلا عبرة بشذوذه، وكلٌّ مسؤول يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، ولو استحضر العبد المؤمن موقفه بين يدي الله يوم القيامة لما شذَّ عن قول جمهور الفقهاء. هذا، والله تعالى أعلم.

** ** **