84ـ كلمات في مناسبات: ليلة النصف من شعبان ليلة دعاء وتوبة

 

84ـ كلمات في مناسبات: ليلة النصف من شعبان ليلة دعاء وتوبة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ حَثَّنَا اللهُ تعالى عَلَى الدُّعَاءِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلَاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

وَكَمَا حَثَّنَا اللهُ تعالى عَلَى الدُّعَاءِ، فَقَدْ حَثَّنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ﴿قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وفي رِوَايَةٍ للترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ».

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلَّا آتَاهُ اللهُ مَا سَأَلَ أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَسْبَابُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَعْظَمُ سَبَبٍ في اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ هُوَ الرِّزْقُ الحَلَالُ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبَاً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحَاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾. وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالَاً طَيِّبَاً﴾.

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ».

وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، روى الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابَاً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ».

وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، بِرُّ الوَالِدَيْنِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ حَدِيثُ الثَّلَاثَةِ الذينَ آوَاهُمُ المَبِيتُ إلى غَارٍ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقَالَ أَحَدُهُمْ: (يعْنِي البَّارَّ بِوَالِدَيْهِ) اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالحِلَابِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ؛ فَفُرِجَ عَنْهُمْ» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، الدُّعَاءُ أَثْنَاءَ السُّجُودِ وَخَاصَّةً في السَّحَرِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

هَنِيئَاً لَكَ أَيُّهَا التَّائِبُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ لَيْلَةُ الدُّعَاءِ، فَهَلَّا تَوَجَّهْنَا إلى اللهِ تعالى بِالدُّعَاءِ، رَجَاءَ أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَنَا، وَاللهِ لَقَدْ أَهْلَكَتْنَا الذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، لَقَدْ أَهْلَكَتْنَا الكَبَائِرُ، لَقَدْ أَهْلَكَنَا ظُلْمُنَا لِأَنْفُسِنَا، فَهَلَّا سَمِعْنَا نِدَاءَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

هَلَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحَاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رِجَالَاً وَنِسَاءً، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الذي دَعَانَا إلى التَّوْبَةِ خَاطَبَنَا خِطَابَاً رَقِيقَاً، مَا سَمِعَ النَّاسُ مِثْلَهُ لَا مِنْ أَبٍ وَلَا مِنْ أُمٍّ، وَلَا مِنْ شَفُوقٍ وَلَا رَحِيمٍ مِنَ البَشَرِ، هَلْ تَعْلَمُونَ مَا هَذَا الخِطَابَ؟

إِنَّهُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

يَا أَيُّهَا العَبْدُ المُذْنِبُ الخَطَّاءُ، وَكُلُّنَا هَذَا العَبْدُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، تَعَالَ بِنَا لِنَصْطَلِحْ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ المُبَارَكَةِ، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، لَا يُغْلَقُ إِلَّا عِنْدَ حَـشْرَجَةِ المَوْتِ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَـضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَاً أَلِيمَاً﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ أَوْ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا العَبْدُ المُذْنِبُ الخَطَّاءُ، وَكُلُّنَا هَذَا العَبْدُ، لَا تَجْمَعْ عَلَيْكَ مُصِيبَتَيْنِ، مُصِيبَةَ المَوْتِ، وَمُصِيبَةَ حَسْرَةِ فَوْتِ التَّوْبَةِ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: اتَّقِ اللهَ يَا ابْنَ آدَمَ، لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْكَ خَصْلَتَانِ، سَكْرَةُ المَوْتِ، وَحَسْرَةُ الفَوْتِ. يَعْنِي: حَسْرَةَ فَوْتِ التَّوْبَةِ.

وَاللهِ إِنْ تُبْتَ يَا أَيُّهَا العَبْدُ المُذْنِبُ الخَطَّاءُ، وَكُلُّنَا هَذَا العَبْدُ، تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحَاً، فَإِنِّي أَقُولُ لَكَ: هَنِيئَاً لَكَ يَا أَيُّهَا التَّائِبُ.

أولاً: أَصْبَحْتَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ تعالى:

أَلَمْ تَسْمَعْ أَيُّهَا التَّائِبُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾؟ وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ تعالى سَدَّدَ جَمِيعَ جَوَارِحَكَ، فَيَسَّرَ لَكَ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ وَسَدَّدَكَ في جَمِيعِ شُؤُونِكَ «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَـمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثانياً: أَصْبَحْتَ مَغْفُورَ الذَّنْبِ:

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾؟

فَهَلُمَّ يَا أَيُّهَا التَّائِبُ إلى الإِقْلَاعِ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلْتَ، وَالجَزْمِ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ، وَإِعَادَةِ الحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا، وَاعْلَمْ بِأَنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ.

ثالثاً: بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكَ حَسَنَاتٍ:

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾؟ كَمْ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْكَ عَظِيمَةٌ؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾؟

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»؟ رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رابعاً: حَمَلَةُ العَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لَكَ:

أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلُمُّوا إلى الدُّعَاءِ، وَهَلُمُّوا إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، البِدَارَ البِدَارَ، وَالمُسَارَعَةَ المُسَارَعَةَ، فَإِنَّ حَيَاةَ النُّفُوسِ في السُّمُوِّ، وَنَجَاتَهَا في العُلُوِّ، اللهَ اللهَ في التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، اللهَ اللهَ في الثَّبَاتِ حَتَّى المَمَاتِ، اللهَ اللهَ في الدُّعَاءِ، اللهَ اللهَ في التَّوبَةِ للهِ تعالى.

عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ في السُّجُودِ، وَخَاصَّةً الدُّعَاءَ الذي دَعَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سُجُودِهِ، كَمَا رَوَى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ (يَعْنِي في السُّجُودِ) وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/ شعبان /1438هـ، الموافق: 11/ أيار / 2017م