21ـ دروس رمضانية 1438هـ: إهلاك الظالمين الطغاة

 

دروس رمضانية 1438هـ

21ـ إهلاك الظالمين الطغاة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ أُمُورٌ إِنْ تَنَبَّهَ إِلَيْهَا المُسْلِمُ في أَيَّامِ الفِتَنِ عَصَمَ عَقِيدَتَهُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى مِنَ التَّزَعْزُعِ، وَجَعَلَهُ اللهُ تعالى في حِصنٍ حَصِينٍ يَقيهِ مِنَ الرِّيَبِ والشَّكِّ وَالوَسَاوِسِ، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الأُمورِ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى أَلْزَمَ ذَاتَهُ العَلِيَّةَ بِإِهْلَاكِ الظَّالمِينَ الطُّغاةِ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد﴾.

مَتَى يَكُونُ إِهْلَاكُ الظَّالمينَ الطُّغَاةِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَما أَلْزَمَ رَبُّنَا ذَاتَهُ العَلِيَّةَ بِإِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ الطُّغَاةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، بَيَّنَ لَنَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ سُنَّتَهُ في طَرِيقَةِ إِهْلَاكِهِمْ، وَمِنَ الخَطَأِ بِمَكَانٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ المُسْلِمُ قَوْلَ الله تعالى: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين﴾. ثُمَّ يَنْسَى أَو يَتَنَاسَى سُنَّةَ اللهِ تعالى في طَرِيقَةِ إِهْلَاكِهِمْ.

مِنْ سُنَّةِ اللهِ تعالى في طَرِيقَةِ إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ هِيَ الإِمْهَالُ، بِحَيْثُ يُرْخِي لَهُمُ الحَبْلَ أَمَدَاً مِنَ الزَّمَنِ لَا يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلَّا اللهُ تعالى، ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون﴾.

فَسُنَّةُ اللهِ تعالى في إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ أَنْ يُمْهِلَهُمْ إلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَأْخُذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَيَجْعَلَهُمْ أَثَرَاً بَعْدَ عَيْنٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾.

أَمْثِلَةٌ عَلَى إِهْلَاكِ الظَّالمينَ الطُّغَاةِ:

أولاً: إِهْلَاكُ قَوْمِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا نُوحَاً عَلَيْهِ السَّلَامُ لَبِثَ في قَوْمِهِ دَاعِيَاً إلى اللهِ تعالى أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامَاً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُون﴾. وخلالَ هذهِ الفترةِ كان يدعوهُم إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً، سِرَّاً وجِهاراً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾.

نَعَم، لَقَدْ أَمْهَلَهُمُ اللهُ تعالى هَذِهِ الفَتْرَةَ، وَعِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ الأَخْذِ قَالَ تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلا مَن قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُون﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَصَوَّرُوا هَذَا الأَخْذَ الأَلِيمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِر * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِر﴾. فَهَلْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَفَكَّرُ وَيَعْتَبِرُ الطُّغَاةُ المُجْرِمُونَ قَتَلَةُ الأَبْرِيَاءِ بِهَذِهِ العَاقِبَةِ الوَخِيمَةِ لِقَوْمِ نُوحٍ بَعْدَ أَنْ أَمْهَلَهُمُ اللهُ تعالى لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، لَعَلَّهُمْ يَكُفُّونَ عَنِ الظُّلمِ؟

هَلْ يَتَذَكَّرُ هَؤُلَاءِ الطُّغَاةُ المُجْرِمُونَ الذينَ يُمْهِلُهُمُ اللهُ تعالى قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾؟

ثانياً: إِهْلَاكُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ كَذِلِكَ فِرْعَوْنَ الذي عَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، قَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنَ الأَطْفَالِ، وَسَبَى مَنْ سَبَى مِنَ النِّسَاءِ، حَتَّى وَصَلَ بِطُغْيَانِهِ أَنْ يَقُولَ لِهَامَانَ: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَاب * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَاب﴾. وَأَنْ يَقُولَ لِقَوْمِهِ: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى﴾. وَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾. وَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾.

وَإنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِس عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيم﴾. فَمَاذَا كَانَ الجَوَابُ مِنَ اللهِ تعالى؟

الجَوَابُ: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون﴾. بِمَعْنَى: قُمْ بِمَا كُلِّفْتَ بِهِ يَا مُوسَى مِنَ الاسْتِقَامَةِ، وَإِنَّا سَنُهْلِكُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ في الوَقْتِ الذي نُرِيدُ، في الوَقْتِ المُحَدَّدِ المَعْلُومِ عِنْدَنَا.

وَجَاءَ الوَقْتُ المُحَدَّدُ، فَنَبَذَهُ اللهُ تعالى في اليَمِّ وَأَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ قَوْمَهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُم * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَهْلَكَ اللهُ تعالى فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، لَكِنْ كَمْ مِنَ الزَّمَنِ مَرَّ بَعْدَ دُعَاءِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَتَسَلَّلَ إلى عَقِيدَتِكُم شَيْءٌ مِنْ خُيُوطِ هَذِهِ الفِتْنَةِ فَيُزَعْزِعَهَا، إِنَّ إِهْلَاكَ المُجْرِمِينَ الطُّغاةِ حقِيقَةٌ لَا مِرْيَةَ فِيهَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَلْزَمَ ذَاتَهُ العَلِيَّةَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾. وَلَكِنْ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، رَبُّنَا يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ لِحكْمَةٍ يُرِيدُهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَأْخُذُ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَرِّجَ الكَرْبَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَاجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ، إِنَّهُ خَيْرُ مَسْؤُولٍ وَخَيْرُ مَأْمُولٍ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 12/رمضان /1438هـ ، الموافق: 7/حزيران/ 2017م