25ـ دروس رمضانية 1438هـ:ثمار الأخلاق

 

دروس رمضانية 1438هـ

25ـ ثمار الأخلاق

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ للأخلاقِ الفَاضِلَةِ في دِينِنَا العَظِيمِ مَكَانَةٌ سَامِيَةٌ وعَالِيَةٌ، وهيَ حَجَرُ الأَسَاسِ لِبِنَاءِ المُجتَمَعِ المُتَمَاسِكِ، وهيَ المَدَارُ العَظِيمُ لِتَزكِيَةِ النَّفسِ، وهيَ دَعوَةُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ وعِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ.

لذلكَ دَعَا إسلامُنَا إلى كُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، ونَبَذَ كُلَّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ، ورَبَّى أَتبَاعَهُ على ذلكَ، فَسَمَا بِهِم إلى الأقوَالِ والأفعَالِ الرَّشِيدَةِ والسَّدِيدَةِ، فَكَانَت هذهِ الأُمَّةُ أُمَّةَ الأخلاقِ والقِيَمِ، رَغْمَ أَنفِ كُلِّ مَن أَسَاءَ إلى دِينِنَا بأقوَالِهِ وأفعَالِهِ، لأنَّ الغَايَةَ التي بُعِثَ من أَجلِهَا سَيِّدُنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هيَ إتمَامُ مَكَارِمِ الأخلاقِ، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ـ وفي رِوَايَةِ القضاعي: لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخلاقِ ـ» رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

من ثِمَارِ الأخلاقِ الحَسَنَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ للأخلاقِ الحَسَنَةِ ثِمَاراً يَنتَفِعُ بِها صَاحِبُهَا دُنيا وأُخرَى، من ثِمَارِ الأخلاقِ الحَسَنَةِ:

أولاً: دَلِيلُ كَمَالِ الإيمَانِ، ورُسُوخِ اليَقِينِ في الجَنَانِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقاً» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ثانياً: والمُتَحَلِّي بالأَخلاقِ الحَسَنَةِ والمُتَجَمِّلُ بِهَا جَلِيسُ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَومَ القِيَامَةِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقاً» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ثالثاً: بالأخلاقِ الحَسَنَةِ الفَاضِلَةِ يَبلُغُ العَبدُ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الذي لا يُفطِرُ أبَداً، والقَائِمِ الذي لا يَفتُرُ أبَداً، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.

رابعاً: بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ يَثقُلُ مِيزَانُ العَبدِ يَومَ القِيَامَةِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

المُؤمِنُ الحَقُّ لا يَعِيشُ بلا قِيَمٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على الإنسَانِ المُؤمِنِ الحَقِّ أن لا يَعِيشَ على هَامِشِ الحَيَاةِ الدُّنيا، ويَحيَا فِيهَا بلا قِيَمٍ ولا أخلاقٍ مَرضِيَّةٍ، بل يَجِبُ عَلَيهِ أن يَعلَمَ أنَّهُ صَاحِبُ رِسَالَةٍ يُتَرجِمُهَا عَمَلاً وسُلُوكاً يَرَاهُ النَّاسُ على أرضِ الوَاقِعِ صِدْقاً وعَدْلاً، قَولاً وعَمَلاً ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المؤمِنُ الحَقُّ يَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أقوَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾. ويَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أفعَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.

عَوِّدْ نَفسَكَ على الصَّبرِ والأنَاةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهرُ رَمَضَانَ شَهرٌ لِتَقوِيَةِ النَّفسِ على الصَّبرِ والأنَاةِ وعلى التَّحَلِّي بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ، ومن خِلالِ هذا جَاءَ هَدْيُ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِن امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ ـ مَرَّتَيْنِ ـ وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَابِلِ العُنفَ بالرِّفْقِ، وقَابِلِ السَّبَّ بالحِلْمِ، وقَابِلِ الإسَاءَةَ بالإحسَانِ، وأَنتَ تَتَذَكَّرُ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا على ثَغرٍ من ثُغُورِ الإسلامِ، اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِنَا، عَلَينَا بِضَبْطِ الأقوَالِ والأفعَالِ، لأنَّ من ضَبَطَ أقوَالَهُ وأفعَالَهُ لن يَندَمَ، ولن يَحتَاجَ إلى اعتِذَارٍ لا في الدُّنيا ولا في الآخِرَةِ، وعَلَيكُم بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 14/رمضان /1438هـ ، الموافق: 9/حزيران/ 2017م