29ـدروس رمضانية 1438هـ:الإيمان يخلق كما يخلق الثوب

 

دروس رمضانية 1438هـ

29ـ الإيمان يخلق كما يخلق الثوب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإيمانُ في القُلوبِ يَخْلَقُ كما يَخْلَقُ الثَّوبُ بِسَبَبِ الذُّنوبِ والمَعاصِي، فَلْنَسألِ اللَه تعالى أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِنا.

روى الحاكم عَن عَبدِ الله بنِ عَمرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قال: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوفِ أَحَدِكُم كَما يَخْلَقُ الثَّوبُ الخَلِقُ، فَاسأَلوا اللهَ أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكُم».

كم وكم نَحنُ بِحَاجَةٍ إلى هذهِ اللَّفتَةِ الكَريمَةِ من سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يا من تَأَلَّمتَ في هذهِ الأزمَةِ الشَّديدَةِ القَاسِيَةِ، قَبلَ أن تَسألَ اللهَ تعالى كَشْفَ الغُمَّةِ عن نَفسِكَ وعن البَلَدِ، سَلِ اللهَ تعالى أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قَلبِكَ وفي قُلوبِ العِبادِ، لأنَّ الذُّنوبَ والخَطَايا أخْلَقَتِ الإيمانَ في القُلوبِ، هل نَسينا قَولَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَـسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟ رواه الشيخان عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإيمانُ إذا ضَعُفَ في القَلبِ أضعَفَ الإيمانَ بالقَضَاءِ والقَدَرِ، وإذا ضَعُفَ الإيمانُ بالقَضَاءِ والقَدَرِ كانَ صَاحِبُهُ من أشقى خَلْقِ الله عزَّ وجلَّ.

«كَتَبَ اللهُ مَقادِيرَ الخَلائِقِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَسألِ اللهَ تعالى أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِنا، حتَّى يَقوَى إيمانُنا بالقَضَاءِ والقَدَرِ، وحتَّى نَعلَمَ أنَّهُ لن يُصيبَنا إلا ما كَتَبَ اللهُ تعالى لَنا، ونَعلَمَ عِلمَ اليَقينِ بأنَّ اللهَ تعالى كَتَبَ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ بِخَمسينَ ألفِ سَنَةٍ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هل من عَودَةٍ إلى رِحابِ الله عزَّ وجلَّ؟ هل من هَجْرٍ للمَعاصِي والمُنكَرَاتِ؟ هل من كَثْرَةِ دُعاءٍ لله عزَّ وجلَّ في أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِنا؟

لَعَلَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُحيِيَ الإيمانَ في قُلوبِنا، حتَّى نَكونَ من الرَّاضِينَ عن الله عزَّ وجلَّ في قَضَائِهِ وقَدَرِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلَّما زَادَ الإيمانُ في القَلبِ بالله تعالى، زَادَ الإيمانُ بالقَضَاءِ والقَدَرِ، وكُلَّما زَادَ الإيمانُ بالقَضَاءِ والقَدَرِ، كُلَّما كانَ العَبدُ سَعيداً في حَياتِهِ الدُّنيا ولو كانَ القَضَاءُ والقَدَرُ مُرَّاً في ظَاهِرِهِ.

«عَجِبتُ للمُؤمِنِ وَجَزَعِهِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَضَاءُ الله تعالى وقَدَرُهُ كُلُّهُ خَيرٌ في حَقِّ الإنسانِ المُؤمِنِ، ولو عَلِمَ العَبدُ المُبتَلَى ما لَهُ عِندَ الله تعالى لَأَحَبَّ الابتِلاءَ حتَّى يَلقَى اللهَ عزَّ وجلَّ.

روى البزَّار عن عَبدِ الله بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كُنَّا عِندَ رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ.

فَقُلنا: يا رَسولَ الله، مِمَّ تَبَسَّمتَ؟

قال: «عَجِبتُ للمُؤمِنِ وَجَزَعِهِ من السَّقَمِ، ولو يَعلَمُ ما لَهُ في السَّقَمِ لَأَحَبَّ أن يَكونَ سَقِيماً حتَّى يَلقَى اللهَ».

هل سَمِعتَ هذا الحَديثَ الشَّريفَ يا صَاحِبَ الفُؤادِ المَجروحِ، يا من تَهَدَّمَ بَيتُهُ، يا من سُلِبَ مالُهُ، يا من سُفِكَ دَمُهُ بِغَيرِ حَقٍّ؟ لا تَتَأَلَّمْ ما دُمتَ من أهلِ الإيمانِ والتَّقوى والصَّلاحِ، ما دُمتَ من أهلِ الاتِّباعِ، ونَسألُ اللهَ تعالى العَفوَ والعَافِيَةَ.

اُكتُبْ عَنِّي:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلَ أحَدُ العَارِفِينَ بالله عزَّ وجلَّ على بَعضِ إخوانِهِ، فَوَجَدَهُ مُستَغرِقاً في أمرٍ من الأُمورِ، حتَّى لم يَشعُرْ بِدُخولِهِ عَلَيهِ.

فَلَمَّا تَنَبَّهَ إلَيهِ قالَ لهُ العَارِفُ بالله تعالى: اُكتُبْ عَنِّي هذهِ الكَلِماتِ:

لَمَّـا رَأَيـتُـكَ جَـالِـسـاً مُـتَفَـكِّـراً   ***   أَيـقَنتُ أَنَّـكَ للهُمومِ قَرينُ

مَـا لاَ يُـقَـدَّرُ لا يَـكُـونُ بِـحِـيلَةٍ   ***   أَبَـداً وَمَا هُوَ كائِنٌ سَيكُونُ

سَيَكُونُ ما هُـوَ كـائـنٌ في وَقْـتِـهِ   ***   وَأخُو الجَهَالَةِ مُتْعَبٌ مَحْزُونُ

يَجْرِي الحَريصُ ولا يَنَالُ بِحرْصِهِ   ***   شَيْئـاً ويَسعَدُ عَاجِزٌ وَمَهِينٌ

فَـدعَ الهُمُومَ، وتَـعَرَّ مِـنْ أثْـوابِهَا   ***   إنْ كانَ عِنْدَكَ بالْقَضَاءِ يَقِينُ

هَـوِّنْ عَـلَـيْكَ وَكُـنْ بِرَبِّكَ وَاثِقاً   ***   فَأخُو الحَقِيقَةِ شَأنُه التَّهْوِينُ

فَلَرُبَّ ما تَرجوهُ لَيـسَ بِـكَـائِـنٍ   ***   ولَرُبَّ ما تَخشاهُ سَوفَ يَكونُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَعَلَّنا نَجِدُ في هذهِ الكَلِماتِ سُلواناً لِقُلوبِنا، وخاصَّةً في وَقتٍ يُخَوِّفُ النَّاسُ بَعضَهُمُ بَعضاً من المُستَقبَلِ، لا أدري هل أطلَعَهُمُ اللهُ تعالى على الغَيبِ؟!

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في الأُمَّةِ، ولْنَسْمَعْ قَولَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مُروا بالمَعروفِ، وانهَوا عن المُنكَرِ، ولنَكُفَّ عن الذُّنوبِ والمَعاصِي، ولنَسألِ اللهَ تعالى أن يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلُوبِنا، حتَّى تَطمَئِنَّ قُلُوبُنا بأنَّ القَدَرَ كائِنٌ لا يَنمَحِي، وأنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى قَدَّرَ المَقَادِيرَ قَبلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ، فما شَاءَ اللهُ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العَلِيِّ العَظيمِ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يُعَجِّلَ بالفَرَجِ عن هذهِ الأُمَّةِ عاجِلاً غَيرَ آجِلٍ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 17/رمضان /1438هـ ، الموافق: 12/حزيران/ 2017م