94ـمع الصحابة وآل البيت: العدل فضيلة تضمن لصاحب الحق حقه

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

94ـ العدل فضيلة تضمن لصاحب الحق حقه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الدِّينِ الذي قَالَ فِيهِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾. وَطَلَبَ مِنَّا أَنْ نَلْتَزِمَهُ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، وَأَنْ نُطَبِّقَهُ تَطْبِيقَاً عَمَلِيَّاً، وَأَنْ لَا نَلْتَزِمَهُ كَلَامَاً دُونَ سُلُوكٍ وَعَمَلٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ المُبِينُ﴾.

وَلَقَدْ كَانَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ مِنَ المُسْلِمِينَ صُورَةً صَادِقَةً عَنِ الإِسْلَامِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ مَنْ تَأَمَّلَ عَمَلَهُمْ وَمَعَاشَهُمْ وَجَدَ دِينَهُمْ، وَرَأَى أَثَرَ الإِسْلَامِ على النَّاسِ أَمْنَاً وَنَشَاطَاً وَتَعَاوُنَاً وَإِخْلَاصَاً، فَلَقَدْ جَسَّدُوا الإِسْلَامَ في حَيَاتِهِمْ تَجْسِيدَاً عَمَلِيَّاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَاشَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأَطْهَارِ، يُرَبِّيهِمْ على الإِسْلَامِ، وَعَلَى صِدْقِهِمْ في الطَّاعَةِ للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ بَشَرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، يَعْتَرِيهِمْ مَا يَعْتَرِي سَائِرَ الـبَشَرِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ ضَرُورَةُ الاسْتِمْرَارِ في التَّرْبِيَةِ لِيَسْكُنَ الإِيمَانُ قُلُوبَهُمْ.

لَقَدِ اسْتَمَرَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرَبِّيهِمْ حَتَّى وَصَلُوا إلى الذُّرْوَةِ، فَأَصْبَحُوا مِثَالَاً عَالِيَاً لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الكَمَالَ وَسَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

العَدْلُ فَضِيلَةٌ تَضْمَنُ لِصَاحِبِ الحَقِّ حَقَّهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحْبَ وَآلَ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ على فَضِيلَةِ العَدْلِ التي تَضْمَنُ لِصَاحِبِ الحَقِّ حَقَّهُ، وَتَضْمَنُ سَلَامَةَ العَلَاقَةِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعَاً، مُسْلِمِينَ وَغَيْرَ مُسْلِمِينَ.

لَقَد رَبَّاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعَاً بَصِيرَاً﴾. وَعَلَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

لَقَدْ رَبَّاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَضِيلَةِ العَدْلِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ رَذِيلَةِ الظُّلْمِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾. وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.

إِقَامَةُ شَرْعِ اللهِ تعالى عَلَى القَرِيبِ وَالبَعِيدِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ العَدْلِ الذي رَبَّاهُمْ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِقَامَةُ الشَّرْعِ شَرْعِ اللهِ تعالى على القَرِيبِ وَالبَعِيدِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،أَنَّ قُرَيْشَاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ.

فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟».

فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الـشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ المَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ المُجْتَمَعُ الذي رَبَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ جَعَلَ نَعْرَةَ الجَاهِلِيَّةِ تَتَفَتَّتُ أَمَامَ العَدَالَةِ كَالجِذْعِ المُتَآكِلِ، حَيْثُ تَوَجَّهَ أَشْرَافُ القَوْمِ وَأَرْفَعُهُمْ نَسَبَاً إلى شَابٍّ يَتِيمٍ أَسْوَدِ البَشَرَةِ، أَفْطَسِ الأَنْفِ، لِكَيْ يَتَوَسَّطَ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِإِسْقَاطِ حَدِّ السَّرِقَةِ عَنْ تِلْكَ المَرْأَةِ نَظَرَاً لِمَكَانَتِهَا الاجْتِمَاعِيَّةِ.

وَجَاءَ هَذَا الشَّابُّ، الحِبُّ بْنُ الحِبِّ، وَكَلَّمَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَأْنِ هَذِهِ المَرْأَةِ، فَأَدَّبَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَالَاً وَقَالَاً؛ رَبَّاهُ حَالَاً، حَيْثُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ الغَضْبَانِ مِنْ فِعْلِهِ؛ وَرَبَّاهُ قَالَاً بِقَوْلِهِ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟».

فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

ثُمَّ وَجَّهَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ تَوْجِيهَاً حَازِمَاً صَارِمَاً لَا هَوَادَةَ فِيهِ، فَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الـشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

لَقَدْ أَيْقَنَ الجَمِيعُ أَنَّهُمْ أَمَامَ شَخْصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يُزَحْزِحُهَا شَيْءٌ أَمَامَ الوَحْيِ، فَلَيْسَ بَعْدَ فَاطِمَةَ مِنْ قَرَابَةٍ، فَالقَضِيَّةُ التي تَكَلَّمَ فِيهَا سَيِّدُنَا أُسَامَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ تَتَعَلَّقُ بِأَمْنِ النَّاسِ على أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، تَتَعَلَّقُ بِأَمْنِ دَوْلَةٍ كَامِلَةٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُمَّةُ إِذَا لَمْ تُحْسِنِ التَّعَامُلَ مَعَ الجَرِيمَةِ وَالمُجْرِمِ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَالَ عَنْهَا أُمَّةٌ، وَالحَيَاةُ فِيهَا حَيَاةُ خَوْفٍ وَذُعْرٍ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارٍ.

الأُمَّةُ إِذَا لَمْ تُقِمْ حُدُودَ اللهِ تعالى دُونَ النَّظَرِ إلى قَرِيبٍ أَو بَعِيدٍ هِيَ أُمَّةٌ لَا تَسْتَحِقُّ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ؛ وَوَاللهِ لَا يُصْلِحُ حَالَ الأُمَّةِ اليَوْمَ إِلَّا مَا أَصْلَحَ حَالَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ أَلَا وَهُوَ العَدْلُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 3/ جمادى الثانية /1438هـ، الموافق: 2/ شباط / 2017م