95-مع الصحابة وآل البيت :بركة الحبشية أم أيمن رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

95ـ بركة الحبشية أم أيمن رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُمَّةُ تَكُونُ سَعِيدَةً إِذَا اسْتَلْهَمَتْ مِنْهَاجَهَا التَّرْبَوِيَّ مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَمِنْ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَنْ يَكُونَ قَرَارُ أَعْيُنِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَالمُرَبِّينَ وَالمُرْشِدِينَ وَالنُّصَّاحِ، إِلَّا إِذَا الْتَزَمُوا طَرِيقَةَ التَّرْبِيَةِ المُسْتَمَدَّةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ العَطِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جِيلَاً فَذَّاً فَرِيدَاً لَم تَشْهَدِ البَشَرِيَّةُ لَهُ مَثِيلَاً، وَلَمْ تَعْرِفِ البَشَرِيَّةُ لَهُ نَظِيرَاً وَلَا شَبِيهَاً، لَقَدْ رَبَّى آلَ البَيْتِ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، الذينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَرْجِعٌ إِلَّا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَكَانُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِحَقٍّ: ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

بَرَكَةُ الحَبَشِيَّةُ أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ بَرَكَةَ الحَبَشِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، هَذِهِ الأُمُّ الحَانِيَةُ، وَالمُرَبِّيَةُ العَظِيمَةُ، وَالدَّاعِيَةُ الجَلِيلَةُ، وَالفَقِيهَةُ البَصِيرَةُ، التي اشْتُهِرَتْ بِوَلَدِهَا البِكْرِ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ؛ وَلَمَّا كَانَ أَصْلُهَا مِنَ الحَبَشَةِ لُقِّبَتْ بِبَرَكَةَ الحَبَشِيَّةِ.

مُلَازَمَتُهَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنَ النِّسَاءِ القَلَائِلِ اللَّوَاتِي رَافَقْنَ حَيَاةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوِلَادَةِ حَتَّى الوَفَاةِ، بَلْ هِيَ القَابِلَةُ التي وَلَّدَتْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ السَّيِّدَةُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، ثُمَّ تَوَلَّتْ حَضَانَتَهُ، وَخَاصَّةً بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدَةِ آمِنَةَ، حَيْثُ بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ العُمُرِ سِتَّ سَنَوَاتٍ.

وَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ يُوصِيهَا بِقَوْلِهِ: يَا بَرَكَةُ، لَا تَغْفُلِي عَنِ ابْنِي، فَإِنِّي وَجَدْتُهُ مَعَ غلْمَانٍ قَرِيبَاً مِنَ السِّدْرَةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنِي نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبِ لَا يَأْكُلُ طَعَامَاً إِلَّا يَقُولُ: عَلَيَّ بِابْنِي؛ فَيُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ المُطَّلِبِ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَبَا طَالِبٍ بِحِفْظِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِيَاطَتِهِ. /كذا في السيرة النبوية لابن كثير.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اسْتَمَرَّتِ السَّيِّدَةُ أُمُّ أَيْمَنَ في حَضَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرِعَايَتِهِ، وَمَنَحَتْهُ مِنْ حُبِّهَا وَعَطْفِهَا وَحَنَانِهَا مَا عَوَّضَهُ عَنْ فَقْدِ وَالِدَيْهِ؛ حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عَنْهَا: «أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي» رواه ابن عساكر.

وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: «هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي» بَلْ وَيُنَادِيهَا: «يَا أُمَّهْ».

روى الحاكم عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأُمِّ أَيْمَنَ: «يَا أُمَّهْ» وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: «هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُلُقَ الوَفَاءِ، فَقَدْ كَانَ مِنْ شِيمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُلُقُ الوَفَاءِ، الذي مَنْ فَقَدَهُ انْسَلَخَ مِنْ إِنْسَانِيَّتِهِ.

خُلُقُ الوَفَاءِ قِوَامُ أُمُورِ النَّاسِ، فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ إلى التَّعَاوُنِ، وَلَا يَتِمُّ تَعَاوُنُهُمْ إِلَّا بِمُرَاعَاةِ خُلُقِ الوَفَاءِ، وَإِلَّا تَنَافَرَتِ القُلُوبُ، وَارْتَفَعَ التَّعَايُشُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد حَفِظَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَوَاقِفَ السَّيِّدَةِ أُمِّ أَيْمَنَ مِنْهُ وَهُوَ طِفْلٌ، وَكَانَ وَفِيَّاً لَهَا، وَعَلَّمَ الأُمَّةَ كَيْفَ يَكُونُ الوَفَاءُ لِمَنْ أَسْدَى مَعْرُوفَاً، لِأَنَّ خُلُقَ الوَفَاءِ إِذَا انْعَدَمَ انْعَدَمَتِ الثِّقَةُ، وَسَاءَ التَّعَامُلُ، وَسَادَ التَّنَافُرُ، وَقَلَّ المَعْرُوفُ.

مُقَابَلَةُ الإِحْسَانِ بِالإِحْسَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتِ السَّيِّدَةُ أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا صَاحِبَةَ مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَحْفَظُ الوُدَّ لَهَا، وَقَدْ قَابَلَ إِحْسَانَهَا بِإِحْسَانٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَعْلِيمَاً للأُمَّةِ.

جَاءَ في السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لابْنِ كَثِيرٍ: وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ المَدَنِيِّينَ قَالُوا: نَظَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَشْرَبُ فَقَالَت: اسْقِنِي.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَتَقُولِينَ هَذَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟!

فَقَالَتْ: مَا خَدَمْتُهُ أَطْوَلُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ». فَجَاءَ بِالمَاءِ فَسَقَاهَا.

لَقَدْ قَابَلَ الإِحْسَانَ بِالإِحْسَانِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. كَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَابِلُ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ.

فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الأَخْلَاقِ؟

مُلَاطَفَتُهَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتِ السَّيِّدَةُ أُمُّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا صَاحِبَةَ خُلُقٍ وَتَوَاضُعٍ، وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تُضَاحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

جَاءَ في الإِصَابَةِ في تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ أَيْمَنَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ لَبَنَاً، فَإِمَّا كَانَ صَائِمَاً، وَإِمَّا قَالَ: «لَا أُرِيدُ». فَأَقْبَلَتْ تُضَاحِكُهُ.

يَقُولُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تُلَطِّفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَقُومُ عَلَيْهِ (بِمَعْنَى: أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْنِسُهُ وَتُدْخِلُ السُّرُورَ على قَلْبِهِ، وَتَقُومُ بِخِدْمَتِهِ). /كذا في الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ.

وَبِالمُقَابِلِ فَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُضَاحِكُهَا وَيُمَازِحُهَا، وَيُدْخِلُ السُّرُورَ إِلَيْهَا.

جَاءَ في الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى لابْنِ سَعْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: احْمِلْنِي.

قَالَ: «أَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ؟».

فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَا يُطِيقُنِي وَلا أُرِيدُهُ.

فَقَالَ : «لَا أَحْمِلُكِ إِلا عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ».

يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُمَازِحُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إِلا حَقَّاً، وَالإِبِلُ كُلُّهَا وَلَدُ النُّوقِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ تَرْبِيَةً لَمْ تَشْهَدِ البَشَرِيَّةُ مَثِيلَاً لَهَا، لَقَدْ رَبَّاهُمْ على الوَفَاءِ، وَعَلَى مُقَابَلَةِ الإِحْسَانِ بِالإِحْسَانِ، وَعَلَى المُلَاطَفَةِ وَالأَخْلَاقِ الحَمِيدَةِ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ حَاضِنَتِهِ أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُخَلِّقَنَا بِأَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 10/ جمادى الثانية /1438هـ، الموافق: 9/ آذار / 2017م