536ـ خطبة الجمعة: الغفلة عن الآخرة طامة كبرى

 

536ـ خطبة الجمعة: الغفلة عن الآخرة طامة كبرى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ عَبْدٌ مُشْتَغِلٌ بِاللهِ تعالى، وَهُوَ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الانْغِمَاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ تعالى، وَهُوَ يَنْتَظِرُ مُنَادِي اللهِ تعالى في كُلِّ يَوْمٍ، مُسْتَعِدٌّ لِأَنْ يَنْتَقِلَ إلى الدَّارِ الآخِرَةِ، لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ بِالإِمْكَانِ أَنْ يَأْتِيَ أَجَلُهُ في أَيَّةِ لَحْظَةٍ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ مَلَكَ المَوْتِ في كُلِّ سَاعَةٍ ﴿وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾.

المُؤْمِنُ الحَقُّ يَنْتَظِرُ مُنَادِي اللهِ تعالى، فَإِذَا نَادَاهُ لَبَّى بِنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ، لَعَلَّهُ أَنْ يَسْمَعَ الخِطَابَ مِنْ مَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾. المُؤْمِنُ الحَقُّ لَا يَكُونُ مِنَ الغَافِلِينَ عَنِ المَوْتِ المُحِيطِ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَلَا يَدْرِي مَتَى يَكُونُ الرَّحِيلُ.

المُؤْمِنُ الحَقُّ يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَعْصِيَةِ حَاجِزَاً:

يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ الذي يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ يَكُونُ حَرِيصَاً على مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَعْصِيَةِ حَاجِزَاً مَتِينَاً حَتَّى لَا يَقَعَ فيهَا في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهَا في حَالِ قُوَّتِهِ، وَلَا في حَالِ ضَعْفِهِ، وَلَا في حَالِ خَلْوَتِهِ، وَلَا في حَالِ جَلْوَتِهِ وَاجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّاسِ، يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَعْصِيَةِ حَاجِزَاً مَتِينَاً خَوْفَاً مِنَ اللهِ تعالى أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى المُعْصِيَةِ ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتَاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحَىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾. فَهُوَ في حَالَةِ خَوْفٍ مِنْ مَكْرِ اللهِ تعالى وَأَخْذِهِ، فَلَا يَغْفَلُ عَنْهُ، وَلَا يَتَجَاسَرُ على مَعْصِيَةٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ يَرَى حَمْلَ الجِبَالِ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنَ الوُقُوعِ في المَعْصِيَةِ، وَلَو كُلِّفَ بِفِعْلِهَا لَفَكَّرَ فِيهَا كَثِيرَاً قَبْلَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أَهْلِ الغَفْلَةِ الذينَ إِذَا أَرَادُوا فِعْلَ الطَّاعَاتِ فَكَّرُوا فِيهَا كَثِيرَاً قَبْلَ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَيْهَا، وَأَمَّا المَعْصِيَةُ فَهِيَ عِنْدَهُمْ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى أَهْوَنُ مِنْ شُرْبِ المَاءِ.

الغَفْلَةُ عَنِ الآخِرَةِ طَامَّةٌ كُبْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: الغَفْلَةُ عَنِ الآخِرَةِ طَامَّةٌ كُبْرَى، حَيْثُ تَجْعَلُ الغَافِلَ جَرِيئَاً عَلَى ارْتِكَابِ الكَبَائِرِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِالنَّارِ، أَو أَنَّ النَّارَ خُلِقَتْ لِغَيْرِهِ؛ هَذَا العَبْدُ سَوْفَ يَنْدَمُ أَشَدَّ النَّدَمِ إِذَا اسْتَمَرَّ في غَيِّهِ وَلَهْوِهِ وَعِنَادِهِ، وَلَمْ يَسْتَفِقْ مِنْ غَفْلَتِهِ وَسُبَاتِهِ، وَيَتُبْ إلى اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: إلى مَتَى هَذِهِ الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنِ اليَوْمِ الآخِرِ؟ أَلَمْ يَأْنِ لَنَا أَنْ نَصْحُوَ مِنْ غَفْلَتِنَا؟ أَلَمْ يَأْنِ لِقُلُوبِنَا القَاسِيَةِ أَنْ تَلِينَ وَتَخْشَعَ للهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ؟ أَلَمْ يَأْنِ لَنَا أَنْ نَصْدُقَ في تَوْبَتِنَا للهِ تعالى؟

وَاللهِ إِنَّهَا لَفُرْصَةٌ كُبْرَى أَنْ أَمْهَلَنَا اللهُ تعالى وَأَبْقَانَا أَحْيَاءً إلى الآنَ، وَأَعْطَانَا فُرْصَةً للتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وَتعالى؛ وَاللهِ إِنَّهَا لَفُرْصَةٌ للاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِنَا، لَقَدْ تَخَطَّانَا مَلَكُ المَوْتِ فَأَخَذَ غَيْرَنَا، وَسَيَأْتِي اليَوْمُ الذي يَتَخَطَّى فِيهِ غَيْرَنَا وَيَأْخُذُنَا، وَاللهِ سَنَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا خَرَجُوا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَا نُضَيِّعِ الفُرْصَةَ مَا دُمْنَا في زَمَنِ المُهْلَةِ قَبْلَ النَّقْلَةِ، لِنَتَذَكَّرِ الذينَ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَكَانُوا في حَالَةِ غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنِ اليَوْمِ الآخِرِ، لَقَدْ خَرَجُوا مِنْ دَارِ العَمَلِ إلى دَارِ الجَزَاءِ وَهُمْ يَقُولُونَ: ﴿يَا حَـسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.

مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾. أَو يَقُولَ: ﴿رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؟

مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ في أَرْضِ المَحْشَرِ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحَاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾؟

مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ في أَرْضِ المَحْشَرِ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾؟

مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ في أَرْضِ المَحْشَرِ: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلَاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانَاً خَلِيلَاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولَاً﴾؟

مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾؟ مَنْ مِنَّا يَرْضَى أَنْ يَقُولَ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾؟

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَفْلَةِ وَأَسْبَابِهَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ جمادى الثانية /1438هـ، الموافق: 17/آذار / 2017م