98- مع الصحابة وآل البيت:جمع بين ثواب المهاجري وثواب الأنصاري

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

98ـ جمع بين ثواب المهاجري وثواب الأنصاري

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ يَصْلُحَ حَالُ الأُمَّةِ اليَوْمَ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَكُلُّ مَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ تعالى بِمَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَعْرِفَةِ سِيرَتِهِمْ وَتَارِيخِهِمْ، يُدْرِكُ كَيْفَ رَبَّاهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الإِسْلَامِ، وَكَانَ يَخَافُ أَن يُؤْتَى الإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِهِ.

أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً أَعْطَوْنَا الصُّورَةَ المِثَالِيَّةَ عَنِ الإِسْلَامِ الحَقِيقِيِّ، حَيْثُ كَانُوا مَظْهَرَ هِدَايَةٍ وَدِلَالَةٍ عَلَى اللهِ تعالى، وَكَانُوا سَبَبَاً في كَسْبِ القُلُوبِ وَدُخُولِهَا في الإِسْلَامِ أَفْوَاجَاً.

سَلَامَةُ صَدْرٍ رَائِعَةٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ وَآلَ بَيْتِهِ عَلَى سَلَامَةِ الصَّدْرِ، التي فَقَدْنَاهَا نَحْنُ اليَوْمَ رِجَالَاً وَنِسَاءً إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

جَاءَ في الرَّوْضِ الأُنْفِ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ (جَمعُ أُطُمْ وَهِيَ الأَبْنِيَةُ الُمرتَفِعَةُ الُمحَصَّنَةُ)مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ.

فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ لَا أَبَا لَك ،مَا تَنْتَظِرُ؟ فَوَاللهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا مِنْ عُمُرِهِ إلَّا ظِمْءُ حِمَارٍ (أَي شَيءٌ يَسِيْرٌ) إِنَّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ(مَثَلٌ لِلمَوْتِ عِندَ العَرَبِ)، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمَّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمَّ خَرَجَا، حَتَّى دَخَلَا فِي النَّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا؛ فَأَمَّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ المُشْرِكُونَ، وَأَمَّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ المُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ.

فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي، فَقَالُوا: وَاللهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا.

قَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ (يَدْفَعَ لَهُ دِيَةَ أَبِيهِ) فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَاً.

سَلَامَةُ صَدْرٍ نَحْوَ مَنْ أَخْطَأَ مَعَهُ، عَفَا وَأَصْلَحَ، بَلْ وَدَعَا اللهَ لَهُمْ بِالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَتَصَدَّقَ بِدِيَةِ أَبِيهِ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ عَمَلَاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾.

وَعَمَلَاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾.

وَعَمَلَاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾.

وَعَمَلَاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

هَذَا العَفْوُ، وَهَذَا الصَّفْحُ مِنْ سَيِّدِنَا حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، زَادَ مِنْ شَأْنِهِ وَرِفْعَتِهِ وَمَقَامِهِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى هَذِهِ المَكَانَةِ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَجْعَلَ رَصِيدَاً لِأَنْفُسِنَا عِنْدَ اللهِ تعالى، وَعِنْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ هَذِهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ، التي امْتَلَأَتْ فِيهَا القُلُوبُ حِقْدَاً وَبُغْضَاً، مِمَّا أَدَّى إلى تَمْزِيقِ الشَّمْلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ؟

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ التَّرْبِيَةِ التي رُبِّيَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؟

أَيْنَ مَنْ صَدْرُهُ سَلِيمٌ عَلَى خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، الذي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا غِلَّ؟

جَمَعَ بَيْنَ ثَوَابِ المُهَاجِرِيِّ وَثَوَابِ الأَنْصَارِيِّ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَكِّيُّ الأَصْلِ، مَدَنِيُّ النَّشْأَةِ، جَمَعَ بَيْنَ ثَوَابِ المُهَاجِرِيِّ وَثَوَابِ الأَنْصَارِيِّ، لَمَّا رَحَلَ إلى مَكَّةَ لِيَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ أَوَّلَ مَا لَقِيَهُ: أَمُهَاجِرٌ أَنَا أَمْ أَنْصَارِيٌّ؟

فَخَيَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ كُنْتَ مِنَ المُهَاجِرِينَ، وَإِنْ شِئْتَ كُنْتَ مِنَ الأَنْصَارِ».

قَالَ: مِنَ الأَنْصَارِ.

قَالَ: «فَأَنْتَ مِنْهُمْ». كَمَا جَاءَ في المَعَارِفِ رَوَاهُ الأَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَكَانَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ صَدْرِهِ، وَتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَلِذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ وَبَدِيهَتِهِ، وَضَبْطِهِ لِنَفْسِهِ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً﴾. وِلِكِتْمَانِهِ للسِّرِّ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْفُذَ إلى غَوْرِهِ.

مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ رَمْزَاً مِنْ رُمُوزِ الإِسْلَامِ، وَعَلَمَاً مِنْ أَعْلَامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَحُفِظَ اسْمُهُ، وَحُفِظَتْ سِيرَتُهُ، لِتَكُونَ مَضْرِبَ مَثَلٍ لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الصَّدْرِ وَالتَّقَرُّبَ إلى اللهِ تعالى، وَإلى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِيَكُونَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ في الآخِرِينَ.

كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟

اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الذينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 9/ رجب /1438هـ، الموافق: 6/ نيسان / 2017م