287ـ مع الحبيب المصطفى :العفو عمن ظلم، وإعطاء من حرم

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

287ـ العفو عمن ظلم، وإعطاء من حرم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَدِيثُ عَنْ مُعَامَلَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ المُذْنِبِينَ وَالعُصَاةِ حَدِيثٌ ذُو شُجُونٍ، وَحَدِيثٌ مُحَبَّبٌ إلى نٌفُوسِ المُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُ يُعْطِي الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ زَادَاً لِيُوَاصِلَ فِيهِ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَيَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَهُ بِهَذَا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. وَيَسِيرَ عَلَى مَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى.

هَذِهِ الدَّعْوَةُ لَمْ وَلَنْ تَتَوَقَّفَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى حَتَّى يَرِثَ اللهُ تعالى الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، مَهْمَا حَاوَلَ العَابِثُونَ وَالمُفْسِدُونَ في الأَرْضِ أَنْ يُشَوِّهُوا صُورَةَ الإِسْلَامِ، وَصُورَةَ الدُّعَاةِ إلى الحَقِّ وَرَثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوُرَّاثُ الحَقِيقِيُّونَ الذينَ يَدْعُونَ إلى اللهِ تعالى هُمْ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الـمُشْرِكِينَ﴾. يَدْعُونَ إلى اللهِ تعالى عَلَى أُصُولٍ تَوْقِيفِيَّةٍ ثَابِتَةٍ رَاسِخَةٍ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾. مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، وَمِنْ خِلَالِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْطَلِقُونَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، بِدُونِ فَظَاظَةٍ وَغَلَاظَةٍ، بَلْ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ الرَّاقِيَةِ.

العَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَ، وَإعَطَاءُ مَنْ حُرِمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِمَعْرِفَةِ الكَيْفِيَّةِ الصَّحِيحَةِ في التَّعَامُلِ مَعَ العُصَاةِ وَالمُذْنِبِينَ لَعَلَّ اللهَ تعالى أَن يَشْرَحَ صُدُورَهُمْ للإِسْلَامِ، وَيُحَبِّبَ إلى قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ، وَهُوَ سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ، خَرَجَ مُتَنَكِّرَاً لاغْتِيَالِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ مِنْ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ.

وَشَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُسَاقَ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسِيرَاً، فَرَبَطَهُ المُسْلِمُونَ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْلَاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ».

فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ؛ وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ؛ وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ؛ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟.

فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ.

فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟

فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْلَامُ تَعَامُلٌ وَأَخْلَاقٌ، وَشَرِيعَةٌ تُضِيءُ الطُّرُقَ المُوصِلَةَ إلى اللهِ تعالى، وَتُحَطِّمُ كُلَّ الحَوَاجِزِ، وَتَخْتَرِقُ القُلُوبَ حَتَّى تَصِلَهَا بِعَلَّامِ الغُيُوبِ جَلَّ جَلَالُهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرِّفْقُ وَالإِحْسَانُ بِالعُصَاةِ يُحَوِّلُهُمْ إلى طَائِعِينَ، وَيَنْقُلُهُمْ مِنَ البُغْضِ إلى الحُبِّ؛ وَهَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للبَارِّ وَالفَاجِرِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ تَمَّتْ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ مِنَ الْخَسْفِ وَالمَسْخِ وَالْقَذْفِ؛ فَذَلِكَ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا. رواه البيهقي. وَذَلِكَ مِصْدَاقَاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حُسْنُ التَّعَامُلِ مِنَ الدُّعَاةِ إلى اللهِ تعالى يُحَوِّلُ البُغْضَ في القُلُوبِ إلى مَحَبَّةٍ صَادِقَةٍ فَيَّاضَةٍ.

كَمْ أَسَاءَ البَعْضُ إلى الإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ يَدْرُونَ وَلَا يَدْرُونَ؟ كَمْ أَسَاءُوا إلى مَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ في دَعْوَتِنَا إلى اللهِ تعالى بِحَاجَةٍ إلى الْتِزَامِ قَوْلِ اللهِ تعالى للنَّبِيَّيْنِ الكَرِيمَيْنِ سَيِّدِنَا مُوسَى وَسَيِّدِنَا هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، حَيْثُ أَمَرَهُمَا اللهُ تعالى أَنْ يَقُولَا لِفِرْعَوْنَ الذي طَغَى وَبَغَى: وَقَالَ الذي قَالَ، قَالَ لَهُمَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلَاً لَيِّنَاً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.

اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 13/ رجب /1438هـ، الموافق: 10/ نيسان / 2017م