99-مع الصحابة وآل البيت:حذيفة بن اليمان الحارس الأمين

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

99ـ حذيفة بن اليمان الحارس الأمين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ سَعَادَةٌ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ «هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». خِدْمَةُ الصَّالِحِينَ شَرَفٌ وَعِزٌّ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، لِأَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ الذي يُكَافِئُ مَنْ قَامَ بِخِدْمَتِهِمْ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ المُجَالَسَةُ وَالخِدْمَةُ لِسَيِّدِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

مُجَالَسَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْمُو بِالأَرْوَاحِ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ.

مُجَالَسَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُعَوِّدُ الجَلِيسَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ، وَخِدْمَتُهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

الحَارِسُ الأَمِينُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذينَ فَازُوا بِالمُجَالَسَةِ وَالخِدْمَةِ، فَسَمَا بِذَلِكَ وَارْتَقَى وَارْتَفَعَ، وَحُفِظَ اسْمُهُ إلى اليَوْمِ، وَسَيَبْقَى مَحْفُوظَاً إلى يَوْمِ القِيَامَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في غَزْوَةِ تَبُوكَ الحَارِسَ الشَّخْصِيَّ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ سَيِّدِنَا عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، حَذَرَاً مِنْ كَيْدِ الـمُشْرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَمَكْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمْ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

جَاءَ في مَغَازِي الوَاقِدِيِّ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَكَرَ بِهِ أُنَاسٌ مِنَ المُنَافِقِينَ وَائْتَمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ عَقَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ؛ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «اسْلُكُوا بَطْنَ الوَادِي، فَإِنَّهُ أَسْهَلُ لَكُمْ وَأَوْسَعُ».

فَسَلَكَ النَّاسُ بَطْنَ الوَادِي وَسَلَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ، وَأَمَرَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النَّاقَةِ يَقُودُهَا، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَسُوقُ مِنْ خَلْفِهِ.

فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي العَقَبَةِ إذْ سَمِعَ حِسَّ الْقَوْمِ قَدْ غَشَوْهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدَّهُمْ، فَرَجَعَ حُذَيْفَةُ إلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَوْا غَضَبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ.

وَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُطْلِعَ عَلَى مَكْرِهِمْ فَانْحَطُّوا مِنَ العَقَبَةِ مُسْرِعِينَ حَتَّى خَالَطُوا النَّاسَ، وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَاقَ بِهِ.

فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَقَبَةِ نَزَلَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا حُذَيْفَةُ، هَلْ عَرَفْت أَحَدَاً مِنَ الرَّكْبِ الذِينَ رَدَدْتَهُمْ؟».

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَرَفْتُ رَاحِلَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَكَانَ الْقَوْمُ مُتَلَثِّمِينَ فَلَمْ أُبْصِرْهُمْ مِنْ أَجْلِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. اهـ.

وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَرَفَهُمْ، وَسَمَّاهُمْ لِحُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ؛ وَكَانَ عَدَدُ هَؤُلَاءِ المُنَافِقِينَ المُتَآمِرِينَ الخَوَنَةِ نَحْوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ شَرَفَ الدِّفَاعِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرَفٌ لَا يُدَانِيهِ شَرَفٌ، وَالشُّيْءُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَوْضُوعِهِ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَشْرَفُ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تعالى سَابِقَاً وَلَاحِقَاً.

شَرَفُ خِدْمَتِهِ وَصُحبَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرَفٌ لَا يُدَانِيهِ شَرَفٌ مِنْ نَسَبٍ، أَو جَاهٍ، أَو مَالٍ، فَجَزَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا حُذَيْفَةَ خَيْرَ الجَزَاءِ في الدِّفَاعِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحِمَايَتِهِ وَرِعَايَتِهِ لَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِشَرَفِ الصُّحْبَةِ وَالخِدْمَةِ سَمَوْا إلى مَدَارِجِ العُلَا، فَهَلْ يَا تُرَى نَحْنُ اليَوْمَ نَسِيرُ سَيْرَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ في شَرَفِ الصُّحْبَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خِلَالِ قِرَاءَةِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للتَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وَهَلْ يَا تُرَى نُدَافِعُ عَنْ سِيرَتِهِ وَسُنَّتِهِ العَطِرَةِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا وَيُشـَرِّفَنَا بِهَذَا الدِّفَاعِ، فَيَحْفَظَنَا مِنَ الزَّلَلِ وَالخَطَأِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَيَاةُ سَيِّدِنَا حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سِجِلٌّ مِنَ المَفَاخِرِ وَالمَآثِرِ، وَهُوَ نِبْرَاسٌ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الكَمَالَ؛ لَقَدْ صَحِبَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَ في صُحْبَتِهِ، وَخَدَمَهُ فَأَخْلَصَ في خِدْمَتِهِ، فَنَالَ عِزَّ الدُّنْيَا وَعِزَّ الآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ رجب /1438هـ، الموافق: 13/ نيسان / 2017م