566ـ خطبة الجمعة: لا تطلبي الطلاق يا أختاه

 

566ـ خطبة الجمعة: لا تطلبي الطلاق يا أختاه

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: التَّفَكُّكُ الأُسَرِيُّ الذي تَشْهَدُهُ الأُمَّةُ اليَوْمَ هُوَ أَمْرٌ خَطِيرٌ، يُؤَدِّي إلى زِيَادَةِ تَمَزُّقِ الأُمَّةِ، وَإلى كَثْرَةِ التَّدَاعِي عَلَيْهَا مِنْ شَرْقٍ وَغَرْبٍ.

إِنَّ التَّفَكُّكَ الأُسَرِيَّ الذي تَعِيشُهُ الأُمَّةُ مَرَدُّهُ ـ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ إلى عَدَمِ الوَعْيِ بِدِينِ اللهِ تعالى، وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَرَدُّهُ إلى اتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالدَّعَوَاتِ البَرَّاقَةِ مِنْ أَعْدَاءِ الأُمَّةِ لِرِجَالِ وَنِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ.

الطَّلَاقُ لَيْسَ مَقْصُودَاً بِحَدِّ ذَاتِهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَسْبَابِ التَّفَكُّكِ الأُسَرِيِّ ظَاهِرَةُ الطَّلَاقِ التي دَمَّرَتِ الأُسَرَ، فَعَاشَ بَعْضُهُمْ في الحَرَامِ مَعَ نِسَائِهِ مِنْ حَيْثُ يَدْرُونَ وَلَا يَدْرُونَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ الجَهْلُ في دِينِ اللهِ تعالى.

الطَّلَاقُ أَبْغَضُ الحَلَالِ عِنْدَ اللهِ تعالى، الطَّلَاقُ في الحَقِيقَةِ عِلَاجٌ لِدَاءٍ اسْـتَعْصَى حَلُّهُ، بَعْدَ الوَعْظِ وَالهَجْرِ وَالضَّرْبِ غَيْرِ المُبَرِّحِ، وَبَعْدَ إِرْسَالِ الحَكَمَيْنِ لِحَلِّ النِّزَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

الطَّلَاقُ حَلٌّ وَلَيْسَ مَقْصُودَاً لِذَاتِهِ، الطَّلَاقُ عِلَاجٌ لَا انْتِقَامٌ، الطَّلَاقُ لَمْ يُسَنَّ إِلَّا لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ لَا يُدْرِكُهَا الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، لِذَا جَعَلَ اللهُ تعالى العِصْمَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ لِأَنَّ عَقْلَهُ أَوْسَعُ مِنْ عَاطِفَتِهِ، وَعِنْدَمَا جَعَلَ الطَّلَاقَ مِنْ حَقِّهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» ( يَعْنِي الزَّوْجَ) رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. حَذَّرَهُ مِنَ التَّعَجُّلِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ وَالتَّلَاعُبِ فِيهِ، لِأَنَّ الزَّوَاجَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى الكُبْرَى، فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَتَلَاعَبَ الرَّجُلُ بِهَذِهِ الآيَةِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» في حَقِّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَاً.

اصْبِرِي يَا أَمَةَ اللهِ، وَلَا تَطلُبِي الطَّلَاقَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ الصِّفَاتِ المُهِمَّةِ في المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ الصَّبْرُ وَالمُصَابَرَةُ في حَيَاتِهَا الزَّوْجِيَّةِ، وَلْتَذْكُرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾.

لِتَصْبِرْ عَلَى قَسْوَةِ الحَيَاةِ، لِتَصْبِرْ عَلَى قِلَّةِ يَدِ زَوْجِهَا، لِتَصْبِرْ عَلَى ضِيقِ صَدْرِ زَوْجِهَا مِنْ مَتَاعِبِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، لَا يَضِقْ صَدْرُهَا بِسَبَبِ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا حَتَّى تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا.

اصْبِرِي يَا أَمَةَ اللهِ، وَلَا تَطلُبِي الطَّلَاقَ مِن زَوْجِكِ، وَكُونِي عَلَى عِلْمٍ وَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكِ، فَنَحْنُ جَمِيعَاً خُلِقْنَا للابْتِلَاءِ وَالاخْتِبَارِ، احْذَرِي مِنْ ضَيَاعِ آخِرَتِكِ بِسَبَبِ التَّعَجُّلِ في طَلَبِ الطَّلَاقِ، وَاسْمَعِي تَوْجِيهَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَكِ:

«أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ»:

اسْمَعِي يَا أَمَةَ اللهِ مَا يَقُولُ لَكِ نَبِيُّكِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ حَرِيصٌ عَلَيْكِ أَكْثَرَ مِنْ حِرْصِكِ عَلَى نَفْسِكِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رواه الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ: «فَالجَنَّةُ عَلَيْهَا حَرَامٌ».

وفي رِوَايَةٍ للترمذي: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ».

فَهَلْ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّتِيجَةُ إلى حِرْمَانِ الجَنَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ وَصْفُكِ وَصْفَ المُنَافِقَاتِ؟

هَلْ تَرْضَيْنَ هَذِهِ النَّتِيجَةَ مِنْ أَجْلِ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا؟ هَلْ تَرْضَيْنَ هَذَا مِنْ أَجْلِ شِرَاءِ جِهَازِ موبايل، أَو الذَّهَابِ لِأَعْرَاسٍ، وَحَفَلَاتٍ، وَسَفَرٍ، وَنُزْهَاتٍ، وَنَظَرٍ للأُخْرَيَاتِ بِأَنَّ عِنْدَهُنَّ مَا لَيْسَ عِنْدَكِ؟

كَمْ مِنِ امْرَأَةٍ طَلَبَتِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمَا أَنَّ الكَثِيرَ مِنَ الأَزْوَاجِ يَظْلِمُ أَهْلَهُ بِالطَّلَاقِ الذي يَكُونُ في غَيْرِ مَحَلِّهِ، كَذَلِكَ هُنَاكَ الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَظْلِمُ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا بِالطَّلَاقِ الذي يَكُونُ في غَيْرِ مَحَلِّهِ.

يَا أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ الحَرِيصَةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ في جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، مَعَ الذينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ، اسْمَعِي تَوْجِيهَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

روى النسائي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ: وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضَاً حَتَّى تَرْضَى».

يَا أَمَةَ اللهِ، إِذَا كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَى أَنْ تَكُونِي مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَاحْذَرِي طَلَبَ الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ كُنْتِ مَظْلُومَةً أَو ظَالِمَةً.

وَتَذَكَّرِي يَا أَمَةَ اللهِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجِكِ حَسَنَاتِهِ، وَاغْمُرِي سَيِّئَاتِهِ في حَسَنَاتِهِ الكَثِيرَةِ، حَتَّى يَهُونَ عَلَيْكِ الأَمْرُ الذي أَنْتِ فِيهِ، وَتَـتَخَلَّصِي مِنَ الوَعِيدِ النَّبَوِيِّ.

روى الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي جِوَارِ أَتْرَابٍ لِي، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَ المُنْعِمِينَ».

وَكُنْتُ مِنْ أَجْرَئِهِنَّ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا كُفْرُ المُنْعِمِينَ؟

قَالَ: «لَعَلَّ إِحْدَاكُنَّ تَطُولُ أَيْمَتُهَا مِنْ أَبَوَيْهَا، ثُمَّ يَرْزُقُهَا اللهُ زَوْجَاً، وَيَرْزُقُهَا مِنْهُ وَلَدَاً، فَتَغْضَبُ الْغَضْبَةَ فَتَكْفُرُ فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرَاً قَطُّ».

يَا عِبَادَ اللهِ: كَفَانَا تَمْزِيقَاً لِأُسَرِنَا، كَفَانَا تَلَاعُبَاً بِآيَاتِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً بِالطَّلَاقِ الذي صَارَ سَهْلَاً عَلَى أَلْسِنَةِ الرِّجَالِ، وَصَارَ سَهْلَاً طَلَبُهُ مِنَ المَرْأَةِ لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: عَظِّمُوا آيَاتِ اللهِ تُسْعَدُوا.

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَّخِذُ آيَاتِكَ هُزُوَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ محرم /1439هـ، الموافق: 29/ أيلول / 2017م