106ـ مع الصحابة وآل البيت:«اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالَاً وَوَلَدَاً»

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

106ـ «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالَاً وَوَلَدَاً»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْزِلَةُ الثِّقَةِ بِاللهِ تعالى وَبِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، بِالثِّقَةِ تَفَاضَلَ العَارِفُونَ، وَفِي مَيْدَانِهَا تَنَافَسَ المُتَنَافِسُونَ، وَإِلَيْهَا شَمَّرَ العَامِلُونَ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

وَالأُمَّةُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى الثِّقَةِ بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهَا إلى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالهَوَاءِ، وَإِذَا وَثِقَتِ الأُمَّةُ بِكَلَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ بِهِ فَلَا يَسَعُهَا إِلَّا الانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، عَرَفَتِ العِلَّةَ وَالغَايَةَ أَمْ لَمْ تَعْرِفْ.

مَقْتَلُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ يَوْمَ بَدْرٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا وَاثِقِينَ بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ صَادِقٌ أَمِينٌ.

روى الإمام البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ صَدِيقَاً لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ.

فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرَاً، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبَاً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟

فَقَالَ: هَذَا سَعْدٌ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنَاً، وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمَاً.

فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ، طَرِيقَكَ عَلَى المَدِينَةِ.

فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، سَيِّدِ أَهْلِ الوَادِي.

فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ، فَوَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ».

قَالَ: بِمَكَّةَ؟

قَالَ: لَا أَدْرِي.

فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعَاً شَدِيدَاً، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ، أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟

قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟

قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدَاً أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ؛ فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.

فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ؟

فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ.

فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ، وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي، تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي، فَوَاللهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ.

ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ، جَهِّزِينِي.

فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ اليَثْرِبِيُّ؟

قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبَاً، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَاً إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ.

«اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالَاً وَوَلَدَاً»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ المُشْرِكُونَ وَاثِقِينَ بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِرَّاً، وَلَكِنَّ الاسْتِكْبَارَ مَنَعَهُمْ مِنْ مُتَابَعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمَاً وَعُلُوَّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقَاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.

فَكَيْفَ بِأَصْحَابِ وَآلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى أَنْ يَثِقُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِرَّاً وَجَهْرَاً، لَعَلَّ الأُمَّةَ أَنْ تَتَأَثَّرَ بِهِمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الثِّقَةِ، مَا رواه الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ.

قَالَ: «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ».

ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا.

فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً.

قَالَ: «مَا هِيَ؟».

قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ.

قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالَاً وَوَلَدَاً، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ».

فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالَاً، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَة، أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي ـ يعني من ولده رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ.

وَجَاءَ في كِتَابِ البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ».

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ وَأَنَا أَنْتَظِرُ الثَّالِثَةَ، وَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مَنْ مِائَةٍ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنَّ كَرْمِي لَيُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ وَلَدِي لِصُلْبِي مِائَةٌ وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ ـ. اهـ.

وروى الإمام أحمد عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ غَيْرَ سَنَةٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَصْحَاب سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ البَيْتِ وَاثِقِينَ كُلَّ الثِّقَةِ بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْنَا سَيِّدَنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ عِنْدَمَا تَقَدَّمَ بِهِ العُمُرُ، كَمَا جَاءَ في تَارِيخِ دِمَشْقَ لابْنِ عَسَاكِرَ: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ السِّنِّ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعَ سِنِينَ وَمَا بِهَا أَنْصَارِيٌّ أَكْثَرَ مَالَاً مِنِّي؛ وَأَنَا أَنْتَظِرُ الرَّابِعَةَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى الثِّقَةِ بِاللهِ تعالى وَبِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، التي هِيَ سِرُّ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.

وَاللهِ مَا شَقِيَ اليَوْمَ مَنْ شَقِيَ مِنَ الخَلْقِ إِلَّا بِسَبَبِ عَدَمِ الثِّقَةِ بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَو وَثِقُوا بِكَلَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَسُعِدُوا وَأَسْعَدُوا، وَكَيْفَ لَا يَثِقُ الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ في حَقِّهِ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾؟

اللَّهُمَّ زِدْنَا ثِقَةً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 23/ ذو الحجة/1438هـ، الموافق: 14/ أيلول / 2017م