188ـ ما هي طموحات كل من الزوجين؟

 

نحو أسرة مسلمة

188ـ ما هي طموحات كل من الزوجين؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ عُلُوُّ هِمَّةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَصَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَةِ يَجْعَلُ جَسَدَهُ في الأَرْضِ، وَرُوحَهُ وَقَلْبَهُ مُتَعَلِّقَانِ بِاللهِ تعالى، وَبِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.

صَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَةِ يَكُونُ فَرْشِيَّاً عَرْشِيَّاً، كَمَا يَقُولُ العَارِفُونَ بِاللهِ تعالى، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِالحَدِيثِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والبيهقي عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟».

قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنَاً حَقَّاً.

فَقَالَ: «انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟».

فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزَاً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا.

فَقَالَ: «يَا حَارِثُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ» ثَلَاثَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كُنَّا مُنْصِفِينَ، وَنَظَرْنَا إلى حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ، فَإِنَّا نَجِدُ أَنَّ هِمَّةَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ هِمَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، هَمُّ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الدُّنْيَا بِجَمِيعِ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا وَزِينَتِهَا، وَهَذِهِ الهِمَّةُ الدُّنْيَوِيَّةُ أَوْرَثَتْ كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ الهُمُومَ وَالأَحْزَانَ، وَرُبَّمَا أَدَّتْ إلى المُنَازَعَاتِ وَالخُصُومَاتِ، وَالأَسْوَأُ حَالَاً أَنْ تَطْلُبَ المَرْأَةُ الطَّلَاقَ بِسَبَبِ هِمَّتِهَا الدُّنْيَوِيَّةِ.

«يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي فَأُعْطِيَكَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوْ سَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ، وَكُلُّ زَوْجَةٍ سَأَلَتْ نَفْسَهَا: مَا هِيَ طُمُوحَاتِي؟ وَمَا هِيَ أَعْلَى أَمَانِيَّ؟

أَيُّهَا الزَّوْجُ، أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، لَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ لَكُمَا: مَا هِيَ أُمْنِيَتُكُمُ العَظِيمَةُ حَتَّى أُحَقِّقَهَا لَكُمْ؟ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَحْقِيقِ مَا يَقُولُ، فَمَاذَا تَخْتَارَانِ؟ مَا هِيَ أَغْلَى أُمْنِيَةٍ عِنْدَكُمَا؟ مَاذَا سَيْخْتَارُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنَ الأَخْيَارِ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى، وَرَضِيَ عَنْهُم؛ وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ   ***   إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلَاحُ

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَارِي، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَوَيْتُ إِلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبَتُّ عِنْدَهُ، فَلَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ رَبِّي» حَتَّى أَمَلُّ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَنَامُ.

فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي فَأُعْطِيَكَ».

قُلْتُ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَنْظُرَ، وتَذَكَرْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أنْ تَدْعُوَ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنِي مِنَ النَّارِ وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.

فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟».

قُلْتُ: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ فَانِيَةٌ، وَأَنْتَ مِنَ اللهِ بِالمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، أَحْبَبْتُ أنْ تَدْعُوَ اللهَ.

قَالَ: «إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

مَا هَذَا الطُّمُوحُ؟ وَمَا هَذِهِ الأُمْنِيَةُ؟ إِنَّهُ طُمُوحُ وَأُمْنِيَةُ أَصْحَابِ الهِمَمِ العَالِيَةِ، الذينَ تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالـضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾.

إِنَّهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ سَمِعُوا قَوْلَ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ الأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَمَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيُبْغِضُ ـ أَوْ قَالَ: يَكْرَهُ ـ سَفْسَافَهَا» رواه الحاكم عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَسَمِعُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَسَمِعُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ، فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِيُرَاجِعْ كُلُّ زَوْجٍ نَفْسَهُ، وَكُلُّ زَوْجَةٍ نَفْسَهَا، وَلْيَتَسَاءَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ المُؤْمِنِينَ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ؟

لِمَاذَا أَصْبَحَتْ هِمَمُنَا دَنِيَّةً دُنْيَوِيَّةً، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ».

ثُمَّ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، شَرَفُ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ».

لِمَاذَا أَصْبَحَتْ بُيُوتُنَا بُيُوتَ هُمُومٍ وَأَحْزَانٍ عَلَى دُنْيَا فَانِيَةٍ دَنِيَّةٍ، حَتَّى وَصَلْنَا إلى دَرَجَةٍ مِنَ الشِّقَاقِ وَالخِلَافِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ؟

 لِمَاذَا كَثُرَ الطَّلَاقُ في بُيُوتِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ؟ وَلَو نَظَرْنَا في أَسْبَابِ الطَّلَاقِ لَوَجَدْنَا جُلَّ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ إِنْ لَمْ تَكُنْ كُلَّهَا عَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ الفَانِيَةِ.

هِمَّةُ كَثِيرٍ مِنَ الأَزْوَاجِ دُنْيَوِيَّةٌ دَنِيَّةٌ، هِمَّةُ كَثِيرٍ مِنَ الزَّوْجَاتِ دُنْيَوِيَّةٌ دَنِيَّةٌ، وَقَلَّ أَصْحَابُ الهِمَمِ العَالِيَةِ الذينَ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُم وَأَرْوَاحُهُمْ بِأَنْ يَسْمَعُوا الخِطَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ «يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا سُمُوَّ الهِمَّةِ وَعُلُوَّهَا، حَتَّى نَعِيشَ في نَعِيمِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 16/ صفر الخير /1439هـ، الموافق: 5/ تشرين الثاني / 2017م