555ـ خطبة الجمعة: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾

 

555ـ خطبة الجمعة: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مُخَاطِبَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى حَفِظَ سُنَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَفِظَ القُرْآنَ الكَرِيمَ.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُكَلَّفٌ مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِبَيَانِ مُرَادِ اللهِ تعالى مِنَ الآيَاتِ المُنَزَّلَةِ، وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَطْبِيقِهَا عَلَى الحَوَادِثِ.

«أَتِمَّ صَوْمَكَ، فَإِنَّ اللهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: القُرْآنُ الكَرِيمُ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُ الالْتِزَامَ الصَّحِيحَ إِلَّا بِالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وَلَوْلَا السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ لَوَقَعَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَنْ يَجِدُوا مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ هَذِهِ الحَيْرَةِ.

أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِالصِّيَامِ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. وَأَمَرَ بِالإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عِنْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ، وَحَرَّمَ عَلَى الصَّائِمِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَكِنْ لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيَاً، مَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ؟

جَاءَتِ السُّنَّةُ المَحْفُوظَةُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ لِتُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، روى البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيَاً.

فَقَالَ: «أَتِمَّ صَوْمَكَ، فَإِنَّ اللهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ».

فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ المُبَيِّنُ لِمُجْمَلِ القُرْآنِ العَظِيمِ، لِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَقَدْ أُوتِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، وَأُوتِيَ بَيَانَ القُرْآنِ، وَالذي آتَاهُ القُرْآنَ هُوَ الذي آتَاهُ بَيَانَهُ؛ انْتَبِهُوا إلى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ». مَنْ آتَاهُ المِثْلَ؟ هُوَ الذي آتَاهُ القُرْآنَ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: القُرْآنُ العَظِيمُ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُ الالْتِزَامَ الصَّحِيحَ إِلَّا بِالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وَلَوْلَا السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ لَوَقَعَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَنْ يَجِدُوا مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ هَذِهِ الحَيْرَةِ.

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَالَ في حَقِّ المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ ثَلَاثَاً: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيْرَهُ﴾. الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِالنِّكَاحِ العَقْدَ فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِهِ العَقْدَ مَعَ الدُّخُولِ.

مَنِ الذي يُبَيِّنَ هَذَا المُجْمَلَ؟ الذي يُبَيِّنُهُ مَنْ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ». وَلَوْلَا حِفْظُ اللهِ تعالى للسُّنَّةِ لَبَقِيَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ في الْتِزَامِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ القُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ (طَرَفُهُ الذي لَمْ يُنْسَجِ، تَعْنِي أَنَّ مَتَاعَهُ رَخْوٌ).

فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».

لَوْ لَمْ تُحْفَظِ السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ لَبَقِيَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ في الْتِزَامِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ.

﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: القُرْآنُ العَظِيمُ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُ الالْتِزَامَ الصَّحِيحَ إِلَّا بِالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وَلَوْلَا السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ لَوَقَعَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَنْ يَجِدُوا مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ هَذِهِ الحَيْرَةِ.

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالَاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. الآيَةُ مُجْمَلَةٌ، لَمْ تُبَيِّنْ قِيمَةَ المَسْرُوقِ، وَلَا الحِرْزَ الذي هُوَ شَرْطُ القَطْعِ، وَلَمْ تُبَيِّنْ مِنْ أَيْنَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، أَمِنَ الكَفِّ، أَمْ مِنَ المِرْفَقِ، أَمْ مِنَ المَنْكِبِ؟

مَنِ الذي يُبَيِّنَ هَذَا المُجْمَلَ؟ الذي يُبَيِّنُهُ مَنْ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ». فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ قِيمَةَ مِقْدَارِ المَسْرُوقِ، وَبَيَّنَتِ الحِرْزَ، وَبَيَّنَتْ أَنَّ القَطْعَ يَكُونُ مِنْ مِفْصَلِ الكَفِّ.

لَوْ لَمْ تُحْفَظِ السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ لَبَقِيَ النَّاسُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ في الْتِزَامِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ لَوْلَا حِفْظُ اللهُ تعالى للِسُّنَّةِ كَمَا حَفِظَ القُرْآنَ الكَرِيمَ لَمَا اسْتَطَاعَ النَّاسُ أَنْ يَمْتَثِلُوا أَمْرَ اللهِ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وَلَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَنْتَهُوا عَمَّا نَهَى اللهُ تعالى عَنْهُ، لِأَنَّ القُرآنَ جَاءَ مُجْمَلَاً، وَالسُّنَّةُ كَانَتْ مُبَيِّنَةً وَمُوَضِّحَةً، لِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ تعالى أَنْ يَحْفَظَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.

وَمِنْ هُنَا عَرَفْنَا خُطُورَةَ مَنْ يَقُولُ: لَا نَقْبَلُ إِلَّا بِالقُرْآنِ، لِأَنَّ القُرْآنَ مَحْفُوظٌ، وَالسُّنَّةَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ؛ مَنْ يَقُولُ هَذَا القَوْلَ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ الأُمَّةَ مُتَفَلِّتَةً مِنْ دِينِ اللهِ تعالى، فَلَا تَمْتَثِلُ أَمْرَاً، وَلَا تَجْتَنِبُ نَهْيَاً.

اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ شوال /1438هـ، الموافق: 21/ تموز / 2017م