13ـ الإنسان في القرآن العظيم :شرف ما بعده شرف ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

 

الإنسان في القرآن العظيم

13ـ شرف ما بعده شرف ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَرْوَعِ مَظَاهِرِ تَكْرِيمِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى لِلْإِنْسَانِ، أَنْ جَعَلَهُ أَهْلَاً لِحُبِّهِ وَرِضَاهُ، وَأَرْشَدَهُ في القُرْآنِ الكَرِيمِ إلى مَا يَجْعَلُهُ خَلِيقَاً بِهَذَا الحُبِّ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ اتِّبَاعُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ، كَيْ يَحْيَوْا حَيَاةً طَيِّبَةً في الدُّنْيَا وَيَظْفَرُوا بِالنَّعِيمِ المُقِيمِ في الآخِرَةِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.

وَقَدْ أَشَارَ المَوْلَى إلى ثَمَرَةِ هَذَا الاتِّبَاعِ وَمَا أَحْلَاهَا مِنْ ثَمَرَةٍ، أَلَا وَهِيَ التَّمَتُّعُ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ أَسْعَدِ السُّعَدَاءِ ذَاكَ الذي جَعَلَ هَدَفَهُ الأَسْمَى، وَغَايَتَهُ المَنْشُودَةَ حُبَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُبَّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَعْظَمَ وَأَلْطَفَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ: لَيْسَ العَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُحِبُّونَهُ﴾. وَلَكِنَّ العَجَبَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يُحِبُّهُمْ﴾. فَهُوَ الذي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ وَتَوَلَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ يُحِبُّهُمْ؟ هَلْ عَرَفَ الإِنْسَانُ هَذَا المَقَامَ؟ وَهَلْ عَرَفَ مَنْ هُوَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

شَرَفٌ مَا بَعْدَهُ شَرَفٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا يُحِبُّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ شَرَفٌ مَا بَعْدَهُ شَرَفٌ، وَمَكْرُمَةٌ مَا بَعْدَهَا مَكْرُمَةٌ، لِأَنَّ اللهَ تعالى إِذَا أَحَبَّ عَبْدَهُ سَدَّدَهُ في جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَصَارَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَـمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

كَمْ هُوَ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَمَكْرُمَةٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الذي مَنَحَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةً كَانَتْ تَاجَاً عَلَى رَأْسِهِ، روى الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلَاً يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ».

قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا (يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ طَوَالَ لَيْلَتِهِمْ).

فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟».

فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ.

قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ».

فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟

فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً وَاحِدَاً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».

شَرَفٌ مَا بَعْدَهُ شَرَفٌ عِنْدَمَا يَكُونُ الإِنْسَانُ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِذَلِكَ الحُبِّ يَنَالُ دَارَ كَرَامَتِهِ في الآخِرَةِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ: بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ؛ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.

فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا، وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى.

فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ.

وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ.

فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟».

فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا.

فَقَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ البَشَرِ يُحِبُّ وَيُحَبُّ، فَفَكِّرْ يَا أَخِي في نَفْسِكَ: مَنْ تُحِبُّ، وَمَنْ يُحِبُّكَ؟ مَجْنُونُ لَيْلَى قَتَلَهُ حُبُّ امْرَأَةٍ؛ وَقَارُونُ قَتَلَهُ حُبُّ المَالِ، وَفِرْعَوْنُ قَتَلَهُ حُبُّ المَنْصِبِ؛ وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ سَادَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَحَمْزَةَ وَجَعَفْرَ وَحَنْظَلَةَ حُبَّاً للهِ تعالى، وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ هَلْ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ؟ فَيَا لَبُعْدَ مَا بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ.

مَحَبَّةُ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ لَنْ تُنَالَ بِالأَمَانِيِّ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ لَنْ تُنَالَ بِالأَمَانِيِّ دُونَ العَمَلِ، لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَاً صَالِحَاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ﴾.

إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ لَا تُنَالُ إِلَّا بِالأَسبَابِ، وَمِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ مُتَابَعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.

أَحْضَرَ النَّضْرُ بْنُ عَمْرٍو ـ وَكَانَ وَالِيَاً عَلَى البَصْرَةِ ـ الحَسَنَ البَصرِيَّ يَوْمَاً، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ رِيَاشِهَا وَبَهْجَتِهَا وَزِينَتِهَا لِعِبَادِهِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُـسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.

فَقَالَ الحَسَنُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، اتَّقِ اللهَ في نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَالأَمَانِيَّ التي تَرَخَّصْتَ فِيهَا؛ فَتَهْلَكُ، إِنَّ أَحَدَاً لَمْ يُعْطَ خَيْرَاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا، وَلَا مِنْ خَيْرِ الآخِرَةِ بِأُمْنِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارَانِ، مَنْ عَمِلَ في هَذِهِ، أَدْرَكَ تِلْكَ، وَنَالَ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنْهَا، وَمَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ، خَسِرَهُمَا جَمِيعَاً، إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ اخْتَارَ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَجَعَلَهُ رَسُولَاً إلى كَافَّةِ خَلْقِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَاً مُهَيْمِنَاً، وَحَدَّ لَهُ في الدُّنْيَا حُدُودَاً، وَجَعَلَ لَهُ فِيهَا أَجَلَاً.

ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ  أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. وَأَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَ بِأَمْرِهِ، وَنَهْتَدِيَ بِهَدْيِهِ، وَأَنْ نَسْلُكَ طَرِيقَتَهُ، وَنَعْمَلَ بِسُنَّتِهِ، فَمَا بَلَغْنَا إِلَيْهِ فَبِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَا قَـصَّرْنَا عَنْهُ فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعِينَ وَنَسْتَغْفِرَ، فَذَلِكَ بَابُ مَخْرَجِنَا، وَأَمَّا الأَمَانِيُّ فَلَا خَيْرَ فِيهَا وَلَا في أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا.

فَقَالَ النَّضْرُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ عَلَيْنَا مَا شَاءَ، وَإِنَّا لَنُحِبُّ رَبَّنَا.

فَقَالَ الحَسَنُ: لَقَدْ قَالَ ذَلِكَ قَوْمٌ عَلَى عَهْد ِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾. فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ اتِّبَاعَهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَمَاً للمَحَبَّةِ، وَأَكْذَبَ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، فَاتَّقِ اللهَ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ في نَفْسِكَ، وَايْمُ اللهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامَاً، كَانُوا قَبْلَكَ في مَكَانِكَ يَعْلُونَ المَنَابِرَ، وَتُهَزُّ لَهُمُ المَرَاكِبُ، وَيَجُرُّونَ الذُّيُولَ بَطَرَاً وَرِئَاءَ النَّاسِ، يَبْنُونَ المَدَرَ، وَيُؤْثِرُونَ الأَثَرَ، وَيَتَنَافَسُونَ في الثِّيَابِ، أُخْرِجُوا مِنْ سُلْطَانِهِمْ، وَسُلِبُوا مَا جَمَعُوا مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَقَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَالوَيْلُ لَهُمْ، وَالوَيْلُ لَهُمْ يَوْمَ التَّغَابُنِ، وَيَا وَيْحَهُمْ، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ جَعَلَهُ أَهْلَاً لِأَنْ يَكُونَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيَّنَ لَهُ الطَّرِيقَ المُوصِلَ إلى هَذَا المَقَامِ الـشَّرِيفِ السَّامِي، فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 17/         ذو القعدة /1438هـ، الموافق: 9/ آب / 2017م