1ـ بر الوالدين: وجوب بر الوالدين

 

بر الوالدين

1ـ وجوب بر الوالدين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَنْ يَعْلَمَا مَكَانَةَ الوَالِدَيْنِ في هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَأَنْ يَعْلَمَا بِأَنَّ اللهَ تعالى قَدْ أَعْظَمَ حَقَّهُمَا، حَتَّى جَعَلَ رِضَاهُ تَبَارَكَ وَتعالى في رِضَاهُمَا، وَأَنَّهُمَا جَنَّةُ الوَلَدِ أَو نَارُهُ، وَأَنَّ الوَلَدَ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ حَقِّهِمَا مَهْمَا فَعَلَ، فَهُمَا حَمَلَاهُ، وَرَبَّيَاهُ، وَكَانَا أَحْرَصَ عَلَيْهِ مِنَ العَيْنِ عَلَى النَّظَرِ، وَمِنَ الأُذُنِ عَلَى السَّمَعِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الوَاجِبِ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَعْلَمَ مَا أَعَدَّ اللهُ تعالى للوَلَدِ البَارِّ القَائِمِ بِحَقِّ وَالِدَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَثَوَابٍ، وَدُخُولِ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَأَنَّ بِرَّهُمَا سَبَبٌ في اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ، وَثَوَابُ بِرِّهِ في الدُّنْيَا مُعَجَّلٌ، وَأَنَّ اللهَ تعالى يُبَارِكُ لَهُ في عُمُرِهِ.

كَمَا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ عُقُوقَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، وَالعَاقُّ مَلْعُونٌ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ في نَارِ الجَحِيمِ، وَأَنَّ اللهَ تعالى لَا يَرْفَعُ عَمَلَاً للعَاقِّ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ عِبَادَةٌ حَتَّى يَبِرَّ وَالِدَيْهِ.

يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ العُقُوقَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، فَإِذَا حَرَّمَ اللهُ تعالى التَّأَفُّفَ لَهُمَا مِنَ الوَلَدِ، فَمَا بَالُكَ بِمَا هُوَ أَكْبَرُ؟ وَإِذَا حَرَّمَ نَهْرَهُمَا، فَمَا بَالُكَ بِمَا هُوَ أَكْبَرُ؟ وَإِذَا حَرَّمَ إِحْزَانَهُمَا وَإِبْكَاءَهُمَا مِنْ قِبَلِ الوَلَدِ، فَمَا بَالُكَ بِمَا هُوَ أَكْبَرُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى طَاعَةَ الوَالِدَيْنِ فَرْضَاً عَلَى الوَلَدِ، وَمَعْصِيَتَهُمَا كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، فَهَلْ عَلِمَ أَبْنَاءُ هَذَا الجِيلِ هَذَا؟

لَقَدْ أَصْبَحْنَا في زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ أَدَبُ الكَثِيرِينَ مِنَ الأَبْنَاءِ مَعَ آبَائِهِمْ، كَمَا قَلَّ أَدَبُ الكَثِيرِينَ مِنَ البَنَاتِ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ، فَلَمْ يُرَاعِ الأَبْنَاءُ وَالبَنَاتُ حُقُوقَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ.

لَقَدْ أَصْبَحَتِ الأُمُّ خَادِمَةً في البَيْتِ، وَالبِنْتُ هِيَ السَّيِّدَةُ؛ كَمَا أَصْبَحَ الأَبُ عَامِلَاً وَخَادِمَاً وَمُجِدَّاً وَنِشِيطَاً في عَمَلِهِ، وَالوَلَدُ هُوَ السَّيِّدُ، وَهُوَ المَخْدُومُ، وَالوَالِدُ هُوَ الخَادِمُ ـ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ـ.

وُجُوبُ بِرِّ الوَالِدَيْنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يُرَبُّوا أَوْلَادَهُمْ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، حَتَّى يَعْرِفُوا بِأَنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ عَلَى الرَّجُلِ المُسْلِمِ، وَعَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، بِرَّ وَالِدَيْهِمَا، وَقَدْ قَرَنَ اللهُ تعالى بِرَّهُمَا بِعِبَادَتِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلَاً كَرِيمَاً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً﴾.

وَقَالَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾.

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾.

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانَاً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهَاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهَاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرَاً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحَاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يُرِيدُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِالعِبَادَةِ بِكُلِّ ذَرَّاتِنَا الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ في أَصْدَقِ عَوَاطِفِنَا وَمَشَاعِرِنَا، وَمِنَ العِبَادَةِ، بَلْ وَمِنْ أَقْدَسِهَا الرَّحْمَةُ وَالعَطْفُ وَالحَنَانُ، وَخَاصَّةً عَلَى الوَالِدَيْنِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ بُلُوغِهِمَا الكِبَرَ وَسِنَّ الشَّيْخُوخَةِ.

فَيَا أَيُّهَا الأَبْنَاءُ، كُونُوا في مَرْحَلَةِ شَبَابِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ وَهِمَّتِكُمْ أَمَامَ الذينَ بَلَغُوا الكِبَرَ مِنْ آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ عِنْدَ أَقْدَامِهِمْ تُؤَمِّنُونَ رَاحَتَهُمْ، وَأَنْتُمْ تَتَذَكَّرُونَ تَعَبَهُمْ أَيَّامَ شَبَابِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ في رِعَايَتِكُمْ وَأَنْتُمْ صِغَارٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَوَّلُ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ أَنْ لَا نُظْهِرَ لِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّجَرِ أَو التَّأَفُّفِ مِنْهُمْ، وَأَنْ لَا يَصْدُرَ مِنَّا مَا يُسِيءُ إِلَيْهِمْ، لَا تَتَأَفَّفُوا مِنْهُمْ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُمْ بِالرَّدِّ أَو التَّكْذِيبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ وَرَدَ في الأَثَرِ: «لَوْ عَلِمَ اللهُ شَيْئَاً مِنَ الْعُقُوقِ أَدْنَى مِنْ أُفٍّ لَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَلْيَعْمَلِ الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلْيَعْمَلِ الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ النَّارَ».

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا يُقْبَلُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، أَوَّلُهَا: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلَاةُ.

وَالثَّانِي قَوْله تَعَالَى: ﴿اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾. فَمَنْ شَكَرَ اللهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. فَمَنْ أَطَاعَ اللهَ وَلَمْ يُطِعْ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

أَيُّهَا الأَبْنَاءُ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، كُونُوا مَعَ آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ هَيِّنِينَ لَيِّنِينَ مُفْعَمِينَ بِالإِكْبَارِ وَالاحْتِرَامِ لَهُم، مُعْرِبِينَ عَنْ حُبِّكُمْ وَامِتْنَانِكُمْ لَهُم.

ارْتَقُوا إلى أَعْلَى دَرَجَةٍ في الأَدَبِ وَالأَخْلَاقِ مَعَهُمْ، فَلَا تَرْفَعُوا عَيْنَاً أَمَامَهُمْ، وَلَا تَرْفُضُوا أَمْرَاً مَـشْرُوعَاً إِذَا أَمَرُوكُمْ، وَاسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ وَلَدٍ بَارٍّ يَنْظُرُ إِلَى وَالِدَتِهِ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ إِلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ نَظْرَةٍ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ».

قَالُوا: وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؟

قَالَ: «نَعَمْ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَطْيَبُ» رواه البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ـ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَأَعِنَّا عَلَى بِرِّنَا بِوَالِدِينَا أَحْيَاءَ وَمَيْتِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 18/ جمادى الأولى /1439هـ، الموافق: 4/ شباط / 2018م