18ـ نحو أسرة مسلمة: علموا أولادكم وجوب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم(1)

 

خلاصة الدرس السابق

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ذكرنا في الدرسين الماضيين وجوب تعليم أبنائنا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا ثمرة هذه الطاعة، كما عرفنا نتيجة مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال قول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}.

وقلنا بأنه ما من شيء في الوجود إلا ويشهد لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكل شيء أطاعه، أطاعه الجماد كما أطاعه الشجر، كما أطاعه السحاب، وأطاعه العقلاء من البشر، وتمرد على أوامره الفسقة من الجن والبشر، فانقلبوا خاسرين.

لماذا يجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؟

وحديثنا اليوم عن وجوب تعليم الأبناء وجوبَ اتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الطبيعي أن يسأل الطفل لما يجب علينا أن نَتَّبِعَ النبي صلى الله عليه وسلم؟.

الجواب: يجب علينا أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى أمره صلى الله عليه وسلم أن يأمرنا باتباعه بصريح قول الله عز وجل: {فَاتَّبِعُونِي}. لأن الله تعالى ما أرسله إلا ليكون أسوةً سلوكيةً لنا، ألم يقل مولانا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}؟ ألم يقل لنا جلَّ شأنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؟ هذا أولاً.

ثانياً: يجب علينا اتباعه صلى الله عليه وسلم، لأنه مُتَّبِعٌ لما يوحى إليه، قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون}. حيث امتَثلَ أمر الله تعالى حيث قال له: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين}.

ثالثاً: يجب علينا أن نتَّبِعَه صلى الله عليه وسلم لأنه اتَّبَع جميع الأنبياء المرسلين، وذلك امتثالاً لأمره تعالى: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. وخاصة بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي قال فيه مولانا عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين* شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم * فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}. فجُمِعَ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما تفرَّق في الأنبياء. فيجب علينا أن نتبعه لأنه أعظم شخصية على الإطلاق باتفاق جميع العقلاء.

ما هي ثمرة اتباعه صلى الله عليه وسلم؟

مما لا شك فيه بأن الله تبارك وتعالى ما أمرنا بأمر، وما نهانا عن نهي إلا لمصلحتنا وسعادتنا وهدايتنا، وحتى لا نضلَّ ونشقى، ولا نخافَ ولا نحزنَ، قال تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}. وقال أيضاً: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى}. ومن جمله الهدي الذي جاءنا من مولانا عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. فاتباعه صلى الله عليه وسلم يعطينا الأمَن ونفيَ الحزن عن أنفسنا، ويعصمنا من الضلال في عقولنا ومن الشقاء في حياتنا. هذا أولاً.

ثانياً: ثمرة اتِّباعه صلى الله عليه وسلم رحمةٌ من الله وفلاحٌ وهدى، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}.

ثالثاً: ثمرة اتباعه صلى الله عليه وسلم أن تكون على بصيرة من أمرك، قال تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين}. وهل الذي يكون على بصيرة من أمره كالذي يتخبط في الظلمات وهو أعمى؟ قال تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَاب}. وقال تعالى أيضاً: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}.

رابعاً: ثمرة اتباعه صلى الله عليه وسلم تجعلك منه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}.

وعن أنس رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن آل محمد؟ فقال: (كل تقي). وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ}. رواه الطبراني.

وإذا كنت منه صلى الله عليه وسلم فلن يتخلَّى عنك يوم القيامة، وإنما تكون مشمولاً بشفاعته صلى الله عليه وسلم، ووارداً حوضه الشريف، وتشربُ من يده الشريفة شربةً لا تظمأ بعدها أبداً.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا) رواه البخاري ومسلم.

فالاتباع يجعلك منه، والابتداع يجعله يتبرأ منك والعياذ بالله تعالى، قال تعالى في قصة سيدنا نوح عليه السلام: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين}.

فإذا كنا حريصين على أن لا يُفرَّقَ بيننا وبين أصولنا وفروعنا وأزواجنا، فعلينا بالاتباع الذي نتيجته وثمرته قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار}.

خامساً: ثمرة اتباعه صلى الله عليه وسلم أن حملة العرش يستغفرون لك، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم}. وسبيلُ الله هو الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين}.

سادساً: ثمرة اتباعه صلى الله عليه وسلم تجعلك من أهل آية المحبة التي يقول عنها أبو سليمان الداراني: لما ادَّعت القلوبُ محبة الله عز وجل أنزل الله هذه الآية محنةً، أي اختباراً وامتحاناً لهذه القلوب.

فما هي آية المحبة؟ هي قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}. وقلوبنا اليوم تدَّعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول إنه صلى الله عليه وسلم حيٌ في قلوبنا، ادَّعينا هذا، فما هو الشاهد؟ لأن المحبة مكانها القلب، والقلب غيب بالنسبة لنا، فما هو الدليل على ادِّعاء ما في القلوب؟ هو الاتباع {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}. والاتباع يكون ظاهراً للعيان. وهذا مصداق حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) رواه البخاري.

فآية المحبة هي المحكُّ العملي لأدعياء المحبة، فدليل حبّك هو الاتباع له صلى الله عليه وسلم، وثمرة الاتباع حبُّ الله تعالى لك، وإذا أحبَّك الله تعالى سدَّدك في جميع شؤونك، كما جاء في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري.

أسأل الله تعالى أن يشرِّفني وإيَّاكم بحسن الاتباع له صلى الله عليه وسلم في سائر أحوالنا، ولعلنا في الدرس القادم نعود لهذا الموضوع ثانية إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.

** ** **