12ـ حول صوته الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

12ـ حول صوته الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ صَوْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الحُسْنِ، وَقَدْ أَعْطَاهُ اللهُ تعالى قُدْرَةً في الإِسْمَاعِ، وَبُلُوغِ صَوْتِهِ المَسَافَاتِ الشَّاسِعَةَ، وَالأَمَاكِنَ الوَاسِعَةَ، التي لَا يَبْلُغُهَا صَوْتُ غَيْرِهِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيَّاً إِلَّا حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنَهُمْ وَجْهَاً وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتَاً.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِ المِعْرَاجِ في يُوسُفَ: «فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ ـ أَيْ: يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ، قَد فَضُلَ النَّاسَ بِالحُسْنِ، كَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، كَمَا في رِوَايَةِ البَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ عَائِذٍ؛ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ المُرَادَ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُؤَيِّدُهُ القَوْلُ بِأَنَّ المُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ خِطَابِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «فَإِذَا هُوَ ـ يُوسُفُ ـ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ». قَالَ ابْنُ المُنِيرِ: المُرَادُ أَنَّ يُوسُفَ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ الذي أُوتِيَهُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ /انْظُرْ كَلَامَ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ في فَتْحِ البَارِي.

وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِـ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدَاً أَحْسَنَ صَوْتَاً مِنْهُ.

وَرَوَى أَبُو الحَسَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ النَّغْمَةِ. انظر شَرْحَ المَوَاهِبِ.

وفي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدَ المُتَقَدِّمِ: كَانَ في صَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَحَلٌ. (قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: الصَّحَلُ ـ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالحَاءِ ـ كَالبَحَّةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ حَادَّ الصَّوْتِ).

وَكَانَ صَوْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَبْلُغُ حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتُ غَيْرِهِ، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي خُدُورِهِنَّ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، وَالعَوَاتِقُ: جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الشَّابَّةُ أَوَّلُ مَا تُدْرِكُ، وَقِيلَ: التي لَمْ تَنْفَصِلْ عَنْ وَالِدَيْهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَدْ أَدْرَكَتْ وَشَبَّتْ، وَأَمَّا الخُدُورُ: فَجَمْعُ خِدْرِ وَهُوَ السَّتْرُ، وَيُطْلَقُ عَلَى البَيْتِ إِنْ كَانَ فِيهِ امْرَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ البَرَاءُ بِالذِّكْرِ لِبُعْدِهِنَّ وَاحْتِجَابِهِنَّ في البُيُوتِ، فَسَمَاعُهُنَّ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ في المَسْجِدِ وَهُنَّ في خُدُورِهِنَّ آيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى قُوَّةِ صَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبُلُوغِهِ حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتٌ غَيْرُهُ. اهـ /كَمَا في شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِمِنَىً فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا، حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ، وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «بِحَصَى الْخَذْفِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ.

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ للنَّاسِ: «اجْلِسُوا» فَسَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَهُوَ في بَنِي غَنْمٍ (بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ فَمِيمٍ، بَطْنٌ مِنَ الخَزْرَجِ، كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ) فَجَلَسَ مَكَانَهُ.

وَهَذَا مُبَادَرَةٌ في امْتِثَالِ أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورَاً بِذَلِكَ، لِأَنَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُوَجَّهٌ للحَاضِرِينَ للخُطْبَةِ بِالجُلُوسِ، وَلَكِنْ كَمَالُ الأَدَبِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَانْظُرْ أَدَبَ الصَّحَابَةِ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَوْفِ اللَّيْلِ عِنْدَ الكَعْبَةِ وَأَنَا عَلَى عَرِيشِي (أَيْ: عَلَى سَرِيرِي).

فَسَمَاعُهَا ذَلِكَ ـ وَهِيَ دَاخِلَ بَيْتِهَا البَعِيدِ عَنْ مَكَانِ القِرَاءَةِ ـ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَهُ الشَّرِيفَ كَانَ يَبْلُغُ مَكَانَاً لَا يَبْلُغُهُ غَيْرُهُ ـ فَسُبْحَانَ مَنْ خَصَّهُ بِالخَصَائِصِ الكُبْرَى وَالآيَاتِ العُظْمَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

حَلَاوَةُ مَنْطِقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُلْوَ المَنْطِقِ، حَسَنَ الكَلَامِ، إِذَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِمَجَامِعِ القُلُوبِ، وَسَبَى الأَرْوَاحَ وَالعُقُولَ.

وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ يَخْرُجُ النُّورُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ. عَزَاهُ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ إلى التِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَمِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي وَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ مُنْصَرِفِينَ، قَالَتْ لِي أُمِّي وَخَالَتِي: يَا بُنَيَّ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهَاً، وَلَا أَنْقَى ثَوْبَاً، وَلَا أَلْيَنَ كَلَامَاً، وَرَأَيْنَا كَأَنَّ النُّورَ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ مَا لَمْ يُسَمَّ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 10/جمادى الثانية /1439هـ، الموافق: 26/ شباط / 2018م