122ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم :«هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

122ـ «هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَأَنْ لَا يَضِيقَ صَدْرُ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى إِذَا لَمْ يَرَ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ، لِأَنَّ الأَمْرَ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ، وَهَذَا هُوَ شَأْنُ العُقَلَاءِ، لِمَاذَا يَكُونُ عِنْدَ الإِنْسَانِ الصَّبْرُ إِذَا احْتَاجَ إلى طَهْيِ الطَّعَامِ، وَكَذَلِكَ تَرَاهُ صَابِرَاً مِنْ أَجْلِ أَكْلِ الثِّمَارِ، فَلَا يَسْتَعْجِلُ في أَكْلِهَا قَبْلَ النُّضُوجِ.

كَثِيرٌ مِنَ الدُّعَاةِ إلى اللهِ تعالى وَالدَّاعِيَاتِ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْا أَثَرَ دَعْوَتِهِمْ عَاجِلَاً لَا آجِلَاً، وَهَذِهِ نَظْرَةٌ خَاطِئَةٌ، فَالأَمْرُ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ لِرُؤْيَةِ أَثَرِ الأَعْمَالِ.

هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَحَالُ الصَّحَابَةِ كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالَاً شَدِيدَاً﴾. يُطَمْئِنُهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَتَائِجِ الدَّعْوَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ؛ وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنَ الخَنْدَقِ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا المَعَاوِلُ.

قَالَ: فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».

ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ المَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».

ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا».

ثُمَّ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَـيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَلْ تَحَقَّقَ مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا؟

«هِيَ للمُسْلِمِينَ عَامَّةً»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَكُونُ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى، وَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى.

أَهَمُّ شَيْءٍ في الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى أَنْ يَكُونَ صَدْرُهُ سَلِيمَاً لَا حِقْدَ وَلَا غِلَّ وَلَا بُغْضَ فِيهِ، وَأَنْ يَتَحَلَّى بِخُلُقِ الرَّحْمَةِ عَلَى المَدْعُوِّينَ، إِضَافَةً إلى الصَّبْرِ أَثْنَاءَ دَعْوَتِهِمْ، وَعَدَمِ الاسْتِعْجَالِ، فَقُلُوبُ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَحْشِيٍّ قَاتَلِ حَمْزَةَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.

وَهَلْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَعْنِي يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ؟

يَعْنِي يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ حَتَّى يَغْفِرَ اللهُ تعالى لَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، مِنْ شِرْكٍ بِاللهِ تعالى، وَمِنْ مُحَارَبَتِهِ للمُسْلِمِينَ، وَمِنْ قَتْلِهِ لِسَيِّدِنَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ.

يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ، لِأَنَّ الإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَأَلِّمَاً أَلَمَاً شَدِيدَاً عَلَى قَتْلِ عَمِّهِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

روى الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَى حَمْزَةَ وَقَدْ قُتِلَ وَمُثِّلَ بِهِ، فَرَأَى مَنْظَرَاً لَمْ يَرَ مَنْظَرَاً قَطُّ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ وَلَا أَوْجَلَ.

فَقَالَ: «رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ، قَدْ كُنْتَ وَصُولَاً لِلرَّحِمِ، فَعُولَاً لِلخَيْرَاتِ، وَلَوْلَا حَزْنٌ مِنْ بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تَجِيءَ مِنْ أَفْوَاهٍ شَتَّى».

ثُمَّ حَلَفَ وَهُوَ وَاقِفٌ مَكَانَهُ: «وَاللهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ».

فَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَبْرَحْ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾. حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَكَفَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ.

كَفَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ، وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾. بَل زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ دَعَا وَحْشِيَّاً للإِسْلَامِ الذي يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.

نَعَمْ، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إلى اللهِ تعالى، صَبْرٌ وَمُصَابَرَةٌ، وَعَفْوٌ وَحُسْنُ خُلُقٍ، وَحُسْنُ تَعَامُلٍ، وَتَلَطُّفٍ مَعَ المَدْعُوِّ، وَتَحْبِيبُهُ إلى اللهِ تعالى، وَتَحْبِيبُ اللهِ تعالى إِلَيْهِ.

عِنْدَمَا أَرْسَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَحْـشِيٍّ يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ: أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَحْشِيٌّ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ تَدْعُونِي إِلَى دِينِكَ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ أَشْرَكَ أَوْ زَنَا يَلْقَ أَثَامَاً يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَخْلُدُ فِيهِ مُهَانَاً، وَأَنَا قَدْ صَنَعْتُ ذَلِكَ؟ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمُ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً، فَلَعَلِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذَا.

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

فَقَالَ وَحْشِيٌّ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَى بَعْدَ مشيئةٍ فَلَا أَدْرِي يُغْفَرُ لِي أَمْ لَا فَهَلْ غَيْرُ هَذَا؟

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

قَالَ وَحْشِيٌّ: هَذَا؛ فَجَاءَ فَأَسْلَمَ.

فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا أَصَبْنَا مَا أَصَابَ وَحْشِيٌّ.

قَالَ: «هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. لَيْسَ خَاصَّاً بِسَيِّدِنَا وَحْشِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ المُذْنِبِينَ وَالعُصَاةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَاسَاً مِنْ أَهْلِ الـشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً.

فَنَزَلَ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهَاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً﴾. وَنَزَلَ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَبِّبُوا اللهَ إِلَى عِبَادِهِ، يُحِبَّكُمُ اللهُ».

وَالحَدِيثَ الذي رواه البيهقي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَقْوَامٍ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ بِمَنَازِلِهِمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْابِرَ مِنْ نُورٍ يَكُونُونَ عَلَيْهَا».

قَالُوا: مَنْ هُمْ؟

قَالَ: «الَّذِينَ يُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إِلَى اللهِ، وَيُحَبِّبُونَ اللهَ إِلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ نُصَحَاءَ».

قَالَ: قُلْنَا: يُحَبِّبُونَ اللهَ إِلَى عِبَادِ اللهِ، فَكَيْفَ يُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إِلَى اللهِ؟

قَالَ: «يَأْمُرُونَهُمْ بِحُبِّ اللهِ وَيَنْهُونَهُمْ ـ يَعْنِي ـ عَمَّا كَرِهَ اللهُ فَإِذَا أَطَاعُوهُمْ أَحَبَّهُمُ اللهُ».

حَبِّبُوا عِبَادَ اللهِ إلى اللهِ، وَذَلِكَ بَدَعْوَتِهِمْ إلى طَاعَةِ اللهِ تعالى وَمَرْضَاتِهِ، وَحَبِّبُوا اللهَ تعالى إلى عِبَادِهِ فَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ الذي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا الحَسَنَ البَصْرِيَّ إِذْ يَقُولُ: وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُقْسِمَنَّ لَكُمْ، أَنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللهِ إلى اللهِ الذينَ يُحَبِّبُونَ اللهَ إلى عِبَادِهِ وَيُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إلى اللهِ. كَذَا في التَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ.

فَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى أَنْ تُحَبِّبَ اللهَ تعالى لِعِبَادِهِ، وَتُحَبِّبَهُمْ إلى اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا كَذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 5/ رجب /1439هـ، الموافق: 22/ آذار / 2018م