16ـ المبادرة إلى الأعمال الصالحة

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

16ـ المبادرة إلى الأعمال الصالحة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

الحَدِيثُ الخَامِسُ يُوصِي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالمُبَادَرَةِ إلى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَعَدَمِ التَّسْوِيفِ وَالكَسَلِ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ تَشْغَلَهُ الشَّوَاغِلُ، أَو تَمْنَعَهُ المَوَانِعُ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعَاً (أَيْ: سَابِقُوا وُقُوعَ أَحَدِ هَذِهِ السَّبْعَةِ فِيكُمْ، وَذَلِكَ بِاهْتِمَامِكُمْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاشْتِغَالِكُمْ بِهَا، كَمَا في: فَيْضِ القَدِيرِ).

هَل تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرَاً مُنْسِيَاً، أَو غِنَىً مُطْغِيَاً، أَوْ مَرَضَاً مُفْسِدَاً، أَوْ هَرَمَاً مُفَنِّدَاً (أَيْ: مُوقِعَاً في الكَلَامِ المُنْحَرِفِ عَنْ سُنَنِ الصِّحَّةِ مِنَ الخَرَفِ وَالهَذَيَانِ).

أَو مَوْتَاً مُجْهِزَاً (أَيْ: سَرِيعَاً) أَو الدَّجَّالَ، فَـشَرُّ غَـائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرُّ؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ كَمَا في تَرْغِيبِ المُنْذِرِيِّ وَفَيْضِ القَدِيرِ.

الحَدِيثُ السَّادِسُ يَنْهَى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ إِمَّعَةً، بَلْ يَكُونُ مُحْسِنَاً مُتَّبِعَاً للحَقِّ:

عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً (قَالَ في النِّهَايَةِ: الإِمَّعَةُ ـ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ المِيمِ ـ الذي لَا رَأْيَ لَهُ، فَهُوَ يُتَابِعُ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى رَأْيِهِ، وَالهَاءُ فِيهِ للمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الذي يَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ: أَنَا مَعَكَ. اهـ).

تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَلَا تَظْلِمُوا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، كَمَا في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.

الحَدِيثُ السَّابِعُ يُوصِي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ، وَيُبَيِّنُ عَوَاقِبَهُ الحَسَنَةَ وَيُحَذِّرُ مِنَ الكَذِبِ، وَيُبَيِّنُ عَوَاقِبَهُ السَّيِّئَةَ:

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقَاً، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابَاً» رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، كَمَا في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.

فَقَدْ أَوْصَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ: صِدْقِ الأَقْوَالِ بِمُوَافَقَتِهَا لِوَاقِعِ الأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، وَصِدْقِ الأَفْعَالِ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِيهَا للهِ تعالى، وَصِدْقِ الأَحْوَالِ بِحُصُولِهَا عَنْ مُرَاقَبَةٍ للهِ تعالى، ثُمَّ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّحَقُّقَ بِالصِّدْقِ يُوصِلُ صَاحِبَهُ إلى البِرِّ، وَمَعْنَاهُ في اللُّغَةِ: سَعَةُ الخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ، وَالمُرَادُ بِهِ هُنَا سَعَةُ الخَيْرِ الإِيمَانِيِّ، وَالتَّحَقُّقُ بِشُعَبِ الإِيمَانِ الكَثِيرَةِ العَظِيمَةِ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾.

فَانْظُرْ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾. بَعْدَمَا عَدَّدَ شُعَبَ البِرِّ، وَاقْرُنْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الذي نَحْنُ فِيهِ تَفْهَمُ المُرَادَ.

كَمَا بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ تَحَقَّقَ بِالبِرِّ الإِيمَانِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوصِلُهُ إلى الجَنَّةِ.

ثُمَّ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكَذِبِ في الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ وَالأَحْوَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَهِي بِصَاحِبِهِ إلى الفُجُورِ، وَمَعْنَاهُ في الأَصْلِ: مُجَاوَزَةُ الـشَّيْءِ حَـدَّهُ، وَالمُرَادُ هُنَا أَنَّ الكَذِبَ يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إلى مُجَاوَزَةِ حُدُودِهِ الشَّرْعِيَّةِ، التي حَدَّهَا اللهُ تعالى وَأَوْقَفَهُ عِنْدَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ الفُجُورَ يُوصِلُ صَاحِبَهُ إلى النَّارِ لَا مَحَالَةَ، فَجَمِيعُ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ وَالأَحْوَالِ وَالمَقَامَاتِ، مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيُوصِلُ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، وَلَهَا آثَارُهَا، وَلَهَا نَتَائِجُهَا في الخَيْرِ وَفِي الشَّرِّ.

الحَدِيثُ الثَّامِنُ في فَضْلِ المَحَبَّةِ الإِيمَانِيَّةِ وَأَثَرِهَا:

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمَاً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ (أَيْ: وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ).

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَرَوى أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ لَمْ أَرَهُمْ فَرِحُوا بِشَيْءٍ أَشَدَّ مِنْهُ.

قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْخَيْرِ يَعْمَلُ بِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِمِثْلِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» انْظُرِ التَّرْغِيبَ للحَافِظِ المُنْذِرِيِّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَدِيثُ التَّاسِعُ يُحَذِّرُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ، وَيُبَيِّنُ مَا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ نَحْوَ أَخِيهِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ.

المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».

قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ مَالِكٌ وَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ـ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ ـ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ. وَالمُرَادُ بِقَوْلِ المُنْذِرِيِّ: وَهُوَ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ؛ أَيْ: بَعْدَ جَمْعِهَا إلى بَعْضِهَا كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَ صَحِيحَ مُسْلِمٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 9/رجب /1439هـ، الموافق: 26/ آذار / 2018م