17ـ «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ»

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

17ـ «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

الحَدِيثُ العَاشِرُ يُوصِي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُؤْمِنَ أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً عَلَى مَا يَنْفَعُهُ في دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، مُسْتَعِينَاً عَلَى ذَلِكَ بِاللهِ تعالى وَيُنَشِّطُهُ للعَمَلِ وَيُحَذِّرُهُ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ:

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».

الحَدِيثُ الحَادِي عَشَرَ في وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَقْوَى اللهِ في السِّرِّ وَالعَلَانِيَةِ:

عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي.

قَالَ: «اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى، وَاذْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ، وَعِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً: السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ». كَذَا في التَّرْغِيبِ قَالَ: وَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذَاً.

الحَدِيثُ الثَّانِي عَـشَرَ في وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِرِّ الوَالِدَيْنِ وَالعِفَّةِ عَنِ التَّطَلُّعِ إلى النِّسَاءِ:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَعِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ». قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ، وَرَوَاهُ أَيْضَاً هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. اهـ.

الحَدِيثُ الثَّالِثُ عَشَرَ يُبَيِّنُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصِّفَاتِ التي تَجْعَلُ صَاحِبَهَا في ظِلِّ اللهِ تعالى:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيَاً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عِدَّةٍ مِنَ الأَحَادِيثِ، جُمْلَةً وَاسِعَةً مِنَ الذينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ، جَمَعَهَا بَعْضُ المُحَدِّثِينَ فَارْجِعْ إِلَيْهَا إِنْ شِئْتَ.

الحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ يُحَذِّرُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِنْسَانَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالكَلِمَةِ دُونَ أَنْ يَتَبَيَّنَ مَا فِيهَا:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الـمَـشـْرِقِ» رواه الشيخان.

(قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: قَوْلُهُ: مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا: أَيْ: مَا يَتَفَكَّرُ هَلْ هِيَ خَيْرٌ أَمْ شَرٌّ؟ اهـ. انْظُرْ جَمِيعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ في التَّرْغِيبِ للمُنْذِرِيِّ).

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسَاً، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفَاً».

وَرَوَاهُ الحَاكِمُ بِلَفْظِ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفَاً فِي النَّارِ».

وَرَوَى البَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ، لَا يَقُولُهَا إِلَّا لِيُضْحِكَ بِهَا أَهْلَ المَجْلِسِ، يَهْوِي بِهَا أَبَعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَزِلُّ عَلَى لِسَانِهِ أَشَدَّ مَا يَزِلُّ عَلَى قَدَمَيْهِ».

وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا الْقَوْمَ، فَيَسْقُطُ بِهَا أَبْعَدَ مِنَ السَّمَاءِ، أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا أَصْحَابَهُ، فيَسْخَطُ اللهُ بِهَا عَلَيْهِ، لَا يَرْضَى عَنْهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَدِيثُ الخَامِسُ عَشَرَ يُبَيِّنُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْوَالَ النَّاسِ في الدُّنْيَا وَعَوَاقِبَهُمْ في الآخِرَةِ:

عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً فَاحْفَظُوهُ».

قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزَّاً، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ (أَيْ: شِحَاذَةِ وَسُؤَالِ مَالِ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُ مُضْطَرَّاً، أَمَّا المُضْطَرُّ: فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ قَدْرَ الضَّرُورَةِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ بِعَمَلٍ وَنَحْوِهِ) إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».

قَالَ: «وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً فَاحْفَظُوهُ؛ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالَاً وَعِلْمَاً فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ.

وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمَاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالَاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالَاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ (أَيْ: لَتَصَدَّقْتُ وَعَمِلْتُ مِنَ الخَيْرَاتِ، كَمَا يَعْمَلُ فُلَانٌ الغَنِيُّ التَّقِيُّ السَّخِيُّ) فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالَاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمَاً، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ.

وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالَاً وَلَا عِلْمَاً فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالَاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ (يَعْنِي: أَنَّهُ نَوَى أَن لَو كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَخَبَطَ فِيهِ وَهَتَكَ، وَفَسَقَ وَعَمِلَ مَا عَمِلَ فُلَانٌ، أَيْ: في إِسْرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَفِسْقِهِ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ لِذَلِكَ يَلْحَقُهُ إِثْمُ ذَلِكَ) فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 9/رجب /1439هـ، الموافق: 26/ آذار / 2018م