593ـ خطبة الجمعة: من أنا ومن أنت في ميزان الله تعالى؟

 

593ـ خطبة الجمعة: من أنا ومن أنت في ميزان الله تعالى؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ كُلَّ رَجُلٍ وَكُلَّ امْرَأَةٍ، انْطَلَقُوا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ مُنْطَلَقِ: رَضِيتُ بِاللهِ تعالى رَبَّاً، وَبِالإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً وَرَسُولَاً.

فَيَا مَنْ رَضِيَ بِاللهِ تعالى رَبَّاً، وَآمَنَ بِأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، هَلْ تَذْكُرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرَاً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرَاً مِنْهُنَّ﴾؟

وَهَلْ نَذْكُرُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً؛ المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الـشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَلْ نَذْكُرُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ».

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَلْ نَذْكُرُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ تَنْبُو عَنْهُ أَعْيَنُ النَّاسِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ»؟ رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَلْ نَذْكُرُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْيَسِيرُ مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللهِ فَقَدْ بَارَزَ اللهَ بِالمُحَارَبَةِ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ»؟ رواه الحاكم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَنْ أَنَا وَمَنْ أَنْتَ في مِيزَانِ اللهِ تعالى؟

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا بَلَغَكُمُ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ الذي رَوَاهُ الإمام البخاريُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟».

قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ.

قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟».

قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا»؟

مَنْ أَنَا وَمَنْ أَنْتَ في مِيزَانِ اللهِ تعالى؟

لَنْ تَجِدَ فَرَسَاً أَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ فَرَسٍ، وَلَا بَعِيرَاً أَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ بَعِيرٍ، وَلَكِنْ قَدْ يُوجَدُ إِنْسَانٌ يَعْدِلُ مِلْءَ الأَرْضِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».

يَا عِبَادَ اللهِ: لِمَاذَا التَّكَبُّرُ؟ وَلِمَاذَا الغُرُورُ؟ وَلِمَاذَا العُجْبُ؟ وَلِمَاذَا الاسْتِعْلَاءُ؟ وَلِمَاذَا الاسْتِخْفَافُ بِالنَّاسِ؟ وَلِمَاذَا السُّخْرِيَةُ؟ وَلِمَاذَا الهَمْزُ وَاللَّمْزُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ التَّكَبُّرِ وَالغُرُورِ وَالعُجْبِ وَالاسْتِعْلَاءِ، وَالاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ، وِمَنَ السُّخْرِيَةِ وَالهَمْزِ وَاللَّمْزِ، وَلْنَذْكُرْ جَمِيعَاً قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَلَا تَعْلَمُونَ بِأَنَّ إِبْلِيسَ مَا طُرِدَ مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا بِسَبَبِ الغُرُورِ، وَأَنَّ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَـصَى اللهَ بِشَهْوَةٍ فَغَفَرَ اللهُ تعالى لَهُ، وَتَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ؟

لَا يَلِيقُ بِالعَبْدِ أَنْ يَتَرَفَّعَ عَلَى أَحَدٍ، أَو يَعِيبَ أَحَدَاً، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلى عُيُوبِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ إلى عُيُوبِ الآخَرِينَ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلى نَقَائِصِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ إلى نَقَائِصِ الآخَرِينَ، وَرَحِمَ اللهُ تعالى الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عِنْدَمَا قَالَ:

إِذَا شِـئْـتَ أَنْ تَحْيَـا سَـلِـيمَاً مِنَ الأَذَى   ***   وَحَظُّكَ مَوْفُورٌ وَعِرْضُكَ صَـيِّنُ

لِـسَانَكَ لَا تَـذْكرْ بهِ عَـوْرَةَ امْـــرِىءٍ   ***   فَكُـلُّكَ عَـوْرَاتٌ وَلِلنَّـاسِ أَلْسُنُ

وَعَـيْنُكَ إنْ أَبْـدَت إِليْكَ مَعَايِـــــبـاً   ***   فَصَنْها وَقُـلْ يَـا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ

وَعَاشِرْ بِمَعْروفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى   ***   وَفَـارِقْ وَلَـكِـْن بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ النَّارَ خُصَّتْ بِالمُتَكَبِّرِينَ، وَأَنَّ الجَنَّةَ للمُسْتَضْعَفِينَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاريُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ.

فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ.

وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ.

قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي.

وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي.

وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدَاً، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقَاً».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ رجب /1439هـ، الموافق: 6/ نيسان / 2018م