93ـ كلمات في مناسبات: المنح لا تكون إلا لصاحب الخلق الحسن

 

93ـ كلمات في مناسبات: المنح لا تكون إلا لصاحب الخلق الحسن

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ لَا يَكُونُ الحَدِيثُ عَنْهَا إِلَّا بَعْدَ الحَدِيثِ عَنْ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الطَّائِفِ، لِنَعْلَمَ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ أَنَّ المِنْحَةَ تَكُونُ بَعْدَ المِحْنَةِ.

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ في مِحْنَةٍ مَعَ اسْتِقَامَتِهِ، وَمَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ في مِحْنَةٍ وَشِدَّةٍ، وَبَلَغَتِ المِحْنَةُ وَالشِّدَّةُ أَوْجَهَا في يَوْمِ الطَّائِفِ، الكُلُّ يُكَذِّبُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالكُلُّ يَسْخَرُ مِنْهُ، وَالكُلُّ يَهْزَأُ بِهِ، وَالكُلُّ يُؤْذِيهِ، وَالكُلُّ يَغْمِزُ وَيَلْمِزُ، وَالكُلُّ تَخَلَّى عَنْهُ، مَعَ اسْتِقَامَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ امْتِثَالِهِ أَمْرَ اللهِ تعالى، وَمَا زَادَتْهُ المِحَنُ وَالشَّدَائِدُ إِلَّا اسْتِقَامَةً وَصَلَابَةً في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا تَزَعْزَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا تَقَهْقَرَ، وَمَا شَكَّ في وَعْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَتِ الفَتْرَةُ لَيْسَتْ شَهْرَاً وَلَا شَهْرَيْنِ، وَلَا سَنَةً وَلَا سَنَتَيْنِ، إِنَّمَا سَنَوَاتٌ طَوِيلَةٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْتَقِلُ مِنْ شِدَّةٍ إلى شِدَّةٍ، وَمِنْ مِحْنَةٍ إلى مِحْنَةٍ، وَالشَّدَائِدُ وَالمِحَنُ لَا تَزِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَلَابَةً في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ كَمَالِ الخُلُقِ.

أَرْجُو أَنْ تَنْتَبِهُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، لَقَدْ زَادَتْهُ المِحَنُ وَالشَّدَائِدُ صَلَابَةً في دِينِ اللهِ مَعَ الأَخْلَاقِ التي مَا خَرَجَ عَنْهَا، وَالتي مُدِحَ فِيهَا مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. قَدْ تَأْتِيكَ المِحَنُ فَتَزْدَادُ صَلَابَةً في دِينِ اللهِ وَلَكِنْ قَدْ تَسُوءُ أَخْلَاقُكَ، وَيَكُونُ غَيْظٌ في قَلْبِكَ نَحْوَ الطَّرَفِ الآخَرِ، أَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ في أَوْجِ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ، ازْدَادَ صَلَابَةً، وَازْدَادَ مَعَ ذَلِكَ شَفَقَةً وَرَحْمَةً عَلَى الآخَرِينَ، هَكَذَا يَكُونُ الكَمَالُ، إِذَا جَاءَتِ الشَّدَائِدُ وَالمِحَنُ وَزَادَتْكَ صَلَابَةً في دِينِ اللهِ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ حَاقِدَاً حَسُودَاً، إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

المِحَنُ تَزِيدُ المُؤْمِنَ صَلَابَةً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في قَلْبِ هَذِهِ الشَّدَائِدِ وَالِمحَنِ، مَعَ ازْدِيَادِهِ صَلَابَةً في دِينِ اللهِ وَشَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللهِ، يَتَوَجَّهُ إلى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَيَتَساءَلُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا رَبَّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إلى مَنْ تَكِلُنِي ـ انْظُرْ إلى الحَالِ الذي وَصَلَ إِلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا المُسْلِمُ المُلْتَزِمُ، الذي يَعِيشُ في مُجْتَمَعٍ يُسْخَرُ فِيهِ مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ، اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَانْظُرْ إلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ إلى مَنْ تَكِلُنِي، إلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إلى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ، أَو يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا ِبَك» يَا رَبِّ، إِنْ كَانَ الذي نَزَلَ عَلَيَّ بِسَبَبِ غَضَبٍ مِنْكَ عَلَيَّ، فَلَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، سَوْفَ أَعْمَلُ جَاهِدَاً حَتَّى تَرْضَى يَا رَبِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ، فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ أَنَا عَبْدٌ ضَعِيفٌ، عَافِيَتُكَ أَوْسَعُ لِي.

انْظُرُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيُّهَا الشَّبَابُ المُلْتَزِمُ، يَا مَنْ يُرِيدُ الالْتِزَامَ بِدِينِ اللهِ في وَسَطِ هَذَا المُجْتَمَعِ، اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَالمِحَنُ يَنْبَغِي أَلَّا تَزِيدَكَ إِلَّا صَلَابَةً، وَلَكِنْ تَوِّجْ صَلَابَتَكَ في دِينِ اللهِ بِالأَخْلَاقِ؛ عِنْدَمَا دَعَا بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَلَكُ الجِبَالِ، مُرْهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَيِّ سَاعَةٍ؟ الكُلُّ يَسْخَرُ، وَالكُلُّ يَضْحَكُ، وَالكُلُّ يَغْمِزُ، وَالكُلُّ يَلْمِزُ، وَالكُلُّ يُـسِيءُ، وَالكُلُّ يَتَآمَرُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ازْدَادَ صَلَابَةً وَلَكِنْ مَعَ الصَّلَابَةِ ازْدَادَ شَفَقَةً وَرَحْمَةً، هَذَا هُوَ الذي يَعْمَلُ للهِ، هَذَا هُوَ الذي يَتَحَقَّقُ بِالعُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، هَذَا هُوَ العَبْدُ الذي يَشْعُرُ بِالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَاً ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وَأَنْتَ أَيُّهَا المُتَّبِعُ! ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

إِنْ شِئْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، إِذَاً القَضِيَّةُ لَيْسَتْ قَضِيَّةَ غَضَبٍ، لِأَنَّ اللهَ اسْتَجَابَ لِدُعَائِهِ، فَهِيَ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَا أَخِي يَا جِبْرِيلُ، لَا تَفْعَلْ، عَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ». هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَيُّهَا المُسْلِمُ، المِحَنُ تَزِيدُكَ صَلَابَةً، وَالصَّلَابَةُ تُتَوِّجُهَا بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّكَ أَيُّهَا المُسْلِمُ المُسْتَقِيمُ المُلْتَزِمُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ بَعْدَ المِحْنَةِ مِنْحَةً مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اقْرَؤُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. هَذِهِ الآيَاتُ هِيَ آخِرُ سُورَةِ النَّحْلِ، وَتَأْتِي السُّورَةُ التي تَلِيهَا سُورَةُ الإِسْرَاءِ مُبَاشَرَةً، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾. ارْبِطُوا بَيْنَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، بَيْنَ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وَالمُحْسِنُ هُوَ الذي ازْدَادَ صَلَابَةً في دِينِ اللهِ، وَتَوَّجَهَا بِالأَخْلَاقِ، فَقَابَلَ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، وَدَعَا اللهَ تعالى لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، فَجَاءَتِ المِنْحَةُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلَاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْـصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَمِنَ الصَابِرِينَ عِنِدَ البَلَاءِ، وَمِنَ الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 25/ رجب /1439هـ، الموافق: 11/ نيسان / 2018م