42ـ مشكلات وحلول: حكم الزواج من الزانية

سؤال: رجل تزوج من امرأة زانية، فطلب منه أهله أن يطلِّقها فرفض، وحاوروه في ذلك، فقال لهم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جاءه رجل فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال:  «غرِّبها» قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: «فاستمتع بها». فهل هذا الحديث صحيح؟ وإذا صحَّ فما معناه؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إِذَا كَانَ زَوَاجُهُ مِنْ هَذِهِ المَرْأَةِ الزَّانِيَةِ بَعْدَ تَوْبَتِهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا إِشْكَالَ في جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِكُلِّ عَاصٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمُ الزَّانِيَةُ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾. فَهَذَا إِذَا كَانَتِ المَرْأَةُ زَانِيَةً وَمُصِرَّةً على الزِّنَا، وَلَمْ تَتُبْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتَحَلَّتْ هَذَا الفِعْلَ.

وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُصِرَّةً على الزِّنَا، بِإِقْرَارٍ مِنْهَا أَو بِشُهُودٍ، وَالزَّوْجُ رَاضٍ بِذَلِكَ فَهَذَا دَيُّوثٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَالدَّيُّوثُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ، لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ بوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ» رواه الحاكم والبيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الأَمْرُ مُجَرَّدَ اتِّهَامَاتٍ للمَرْأَةِ، وَبِدُونِ إِقْرَارٍ وَلَا شُهُودٍ، فَهَذَا قَذْفٌ للمُحْصَنَاتِ، وَالقَاذِفُ يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَهَذِهِ الإِشَاعَاتُ لَا تَمْنَعُ شَرْعَاً مِنَ الزَّوَاجِ بِهَا، وَلَكِنَّ الأَحْوَطَ أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُنْكَحُ المَرْأَةُلِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمَّا اسْتِدْلَالُ الرَّجُلِ بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» فِي حَقِّ المَرْأَةِ التي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، فَأَقُولُ:

أولاً: الحَدِيثُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: رِجَالُ إِسْنَادِهِ يُحْتَجُّ بِهِمْ في الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ رَوَاهُ أبو داود والنسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ.

قَالَ: «غَرِّبْهَا».

قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي.

قَالَ: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا». أَيْ: أَبْقِهَا فِي عِصْمَتِكَ زَوْجَةً شَرْعِيَّةً.

ثانياً: لَيْسَ مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّهَا زَانِيَةٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ: (لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ) الزِّنَا يَكُونُ قَاذِفَاً لَهَا، وَفِي هَذِهِ الحَالَةِ إِمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، أَوْ تَكُونَ المُلَاعَنَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَبَى المُلَاعَنَةَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشُّهُودِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ.

وَكَذَلِكَ ـ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ لَوْ عَلِمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قَصْدَ الرَّجُلِ مِنْ قَوْلِهِ: (لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ) الزِّنَا، لَمَا أَمَرَهُ أَنْ يُبْقِيَهَا عِنْدَهُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ يَكُونُ دَيُّوثَاً، وَحَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ.

فَمَعْنَى الحَدِيثِ ـ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ: أَنَّهَا سِهْلَةُ الأَخْلَاقِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهَا الحِشْمَةُ المَطْلُوبَةُ، وَلَا تُرَاقِبُ اللهَ تعالى في خَلَوَاتِهَا، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَنَّهَا تَأْتِي الفَاحِشَةَ.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِهَذَا الرَّجُلِ ـ الذي لَا يَقْدِرُ على فِرَاقِ زَوْجَتِهِ لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، وَلَا يَصْبِرُ على فِرَاقِهَا ـ فِي إِبْقَائِهَا عِنْدَهُ، لِأَنَّ مَحَبَّتَهُ لَهَا مُحَقَّقَةٌ، وَوُقُوعُهَا فِي الفَاحِشَةِ مِنْ خِلَالِ سُهُولَةِ أَخْلَاقِهَا مُتَوِهَّمٌ، لِذَلِكَ قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَمْتِعْ بِهَا» أَيْ: أَبْقِهَا على عِصْمَتِكَ، مَعَ مُرَاقَبَتِهَا وَتَوْجِيهِهَا وَنُصْحِهَا، لِأَنَّ المُسْلِمَ مَسْؤُولٌ عَنْ زَوْجَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وبناء على ذلك:

فَإِذَا كَانَ زَوَاجُ الرَّجُلِ مِنْ هَذِهِ المَرْأَةِ بَعْدَ تَوْبَتِهَا مِنَ الزِّنَا فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ مُصِرَّةً عَلَى الزِّنَا بِإِقْرَارٍ مِنْهَا أَو بِشُهُودٍ، وَرَضِيَ هُوَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ دَيُّوثَاً وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَلَكِنْ إِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَاً مُسْتَوْفِيَاً لِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ صَحَّ، وَكَانَ آثِمَاً بِهَذَا الزَّوَاجِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِمُجَرَّدِ إِشَاعَاتٍ وَاتِّهَامَاتٍ فَلَا حَرَجَ مِنْ بَقَائِهَا في عِصْمَتِهِ، طَالَمَا أَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ مِنْهَا؛ أَمَّا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّائِعَاتُ بَعْدَ عَقْدِ الزَّوَاجِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَثَبَّتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالأَوْلَى لَهُ أَنْ يُطِيعَ أَهْلَهُ وَأَنْ يُسَرِّحِهَا بِإِحْسَانٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ بِإِعْطَائِهَا حَقَّهَا. هذا، والله تعالى أعلم.