581ـ خطبة الجمعة: هل يعلم من يكفر بالله تعالى ماذا يترتب عليه؟

 

581ـ خطبة الجمعة: هل يعلم من يكفر بالله تعالى ماذا يترتب عليه؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَيَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ».

وفي رِوَايَةٍ لابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللهِ، لَا يَرَى بِهَا بَأْسَاً، فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفَاً».

مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ التي وَقَعَتْ في المُجْتَمَعِ وَعَمَّتْ وَطَمَّتْ ظَاهِرَةُ سَبِّ اللهِ تعالى، وَسَبِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَبِّ الدِّينِ، وَالكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ.

مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ أَنْ تَرَى هَذِهِ الظَّاهِرَةَ في مُجْتَمَعٍ وَفي بَلَدٍ تُرْفَعُ فِيهِ كَلِمَةُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَالشَّهَادَتَانِ عَلَى المَآذِنِ؛ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ أَنْ تَرَى ظَاهِرَةَ الكُفْرِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، في مُجْتَمَعٍ تَمْتَلِئُ فِيهِ مَسَاجِدُ المُسْلِمِينَ بِالمُصَلِّينَ وَالصَّائِمِينَ، وَتَالِي القُرْآنِ العَظِيمِ، دُونَ أَنْ تَرَى آمِرَاً بِالمَعْرُوفِ وَنَاهِيَاً عَنِ المُنْكَرِ.

مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ أَنْ تَرَى رِجَالَاً وَنِسَاءً ـ بَلْ قُلْ أَطْفَالَاً ـ يَتَفَنَّنُونَ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَكَأَنَّ القَوْمَ نَسُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً﴾.

قُولُوا لِمَنْ يَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ، وَسَبِّ اللهِ تعالى، وَسَبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَبِّ الدِّينِ: مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

هَلْ ظُلْمُ الآخَرِينَ لَكَ يُبِيحُ لَكَ هَذَا؟

هَلْ غَضَبُكَ مِنَ الآخَرِينَ يُبِيحُ لَكَ هَذَا؟

هَلْ كَرَاهِيَتُكَ للآخَرِينَ تُبِيحُ لَكَ هَذَا؟

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾؟

هَلْ يَعْلَمُ مَنْ يَكْفُرُ بِاللهِ تعالى مَاذَا يَتَرَتَبُ عَلَى كُفْرِهِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ يَعْلَمُ مَنْ يَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ مَاذَا يَتَرَتَبُ عَلَيْهِ؟ لِيَسْمَعْ كُلُّ مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ ذَلِكَ، لِيَسْمَعْ مَنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الكُفْرِ مِنْ سَبٍّ للهِ تعالى، وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِدِينِهِ، وَلِرَبِّهِ، وَلِخَالِقِهِ، وَلِلقُرْآنِ الكَرِيمِ، قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً بَعِيدَاً﴾.

اسْمَعْ يَا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ كَلِمَاتِ الكُفْرِ، قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلَاً﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرَاً﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلَاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبَاً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: خَاطِبُوا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ كَلِمَةَ الكُفْرِ حَتَّى سَهُلَتْ عَلَى لِسَانِهِ، وَكَأَنَّ شَيْئَاً لَمْ يَكُنْ: أَنْتَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، إِذَا لَمْ تَتُبْ إلى اللهِ تعالى، فَاغْتَنِمْ أَنْفَاسَ عُمُرِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَاسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾. فَإِذَا انْتَهَيْتَ وَتُبْتَ إلى اللهِ تعالى فَأَبْشِرْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾. وَعَلَيْكَ:

أولاً: أَنْ تُجَدِّدَ إِسْلَامَكَ، لِأَنَّ العَبْدَ بِالكُفْرِ يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الإِيمَانِ، فَانْطُقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَاسْتَغْفِرِ اللهَ تعالى.

ثانياً: صَلِّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّيْتَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا، وَاقْضِ صَوْمَ اليَوْمِ الذي تَلَفَّظْتَ فِيهِ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ.

ثالثاً: جَدِّدِ العَقْدَ عَلَى زَوْجَتِكَ، لِأَنَّ الفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَخَ العَقْدُ بَيْنَهُمَا، وَوَجَبَ تَجْدِيدُ العَقْدِ.

وَقَالَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ المُسْلِمَيْنِ بَانَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَو بَعْدَهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للتَّوْبَةِ جَمِيعَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ ربيع الثاني /1439هـ، الموافق: 12/ كانون الثاني / 2018م