43ـ علمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بإشارات القرآن

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

43ـ علمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بإشارات القرآن

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ ذَلِكَ: عِلْمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَصَائِصِ السُّوَرِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ في سُورَةِ يس، وَأَنَّهَا قَلْبُ القُرْآنِ، وَأَنَّ لَهَا الخَصَائِصَ الكَثِيرَةَ، وَسُورَةِ الدُّخَانِ، وَأَنَّ مَنْ قَرَأَهَا في لَيْلَةٍ أَصْبَحَ مَغْفُورَاً لَهُ، وَسُورَةِ تَبَارَكَ، وَوِقَايَتِهَا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَسُورَةِ البَقَرَةِ وَبَرَكَاتِهَا، وَسُوَرِ المُعَوَّذَاتِ وَحَصَانَاتِهَا لِقَارِئِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ في الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ (وَقَدْ ذَكَرْنَا جَانِبَاً مِنْ ذَلِكَ في كِتَابِ: تِلَاوَةِ القُرْآنِ المَجِيدِ؛ فَارْجِعْ إِلَيْهِ) فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِلْمَاً كَبِيرَاً وَاسِعَاً بِخَصَائِصِ الحُرُوفِ القُرْآنِيَّةِ وَالآيَاتِ وَالسُّوَرِ.

فَسُبْحَانَ الفَتَّاحِ العَلِيمِ الذي فَتَحَ لَهُ وَعَلَّمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ: عِلْمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِإِشَارَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ الخَفِيَّةِ، فَوْقَ العِبَارَاتِ الجَلِيَّةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾. عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي» بِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ ـ وَأَصْلُهُ في مُسْلِمٍ ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ مِنْ قَوْلِ: «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ».

وَقَالَ: «إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ كَانَ أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، وَأَمَرَنِي إِذَا رَأَيْتُهَا أَنْ أُسَبِّحَ بِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرَهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾».

وَإِنَّ عِلْمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَعَانِي القُرْآنِ الكَرِيمِ وَخَصَائِصِهِ، وَحَقَائِقِهِ وَإِشَارَاتِهِ وَدَلَالَاتِهِ، وَأَسْرَارِهِ وَمَضَامِينِهِ، إِنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ وَلَا يُحِيطُ بِكَمِّيَّةِ مَا هُنَالِكَ إِلَّا اللهُ تعالى الذي أَفَاضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانَاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدَىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. وَفِي الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا ـ وَفِي رِوَايَةٍ: لِكُلِّ آيَةٍ ـ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ».

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ البَغَوِيُّ في شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ الحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعَاً كَمَا في فَيْضِ القَدِيرِ عَلَى الجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَزَاهُ العَلَّامَةُ الزَّرْكَـشِيُّ في البُرْهَانِ إلى صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مُنْتَهَى فِيمَا أَرَادَهُ اللهُ تعالى مِنْ مَعْنَاهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ، أَنَّ لِكُلِّ غَامِضٍ مِنَ المَعَانِي وَالأَحْكَامِ مَطْلَعَاً يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى مَعْرِفَتِهِ وَيُوقَفُ عَلَى المُرَادِ بِهِ، وَظَهْرُهُ: مَا ظَهَرَ تَأْوِيلُهُ، وَبَطْنُهُ: مَا خَفِيَ تَفْسِيرُهُ. اهـ. مِنْ شُرُوحِ المَنَاوِيِّ عَلَى الجَامِعِ الصَّغِيرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وفي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في القُرْآنِ الكَرِيمِ: « ... وَهُوَ حَبْلُ اللهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الـصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَـنْقَضِي عَجَائِبُهُ ...» الحَدِيثَ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ القُرْآنَ ذُو شُجُونٍ وَفُنُونٍ، وَظُهُورٍ وَبُطُونٍ، لَا تَـنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تُبْلَغُ غَايَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فَلْيَتْلُ القُرْآنَ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ العِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالقُرْآنِ، فَإِنَّ فِيهِ خَبْرُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. كَمَا في الإِتْقَانِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

السبت: 24/رمضان/1439هـ، الموافق: 9/ حزيران / 2018م