44ـ القرآن الكريم بحر العلوم والمعارف

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

44ـ القرآن الكريم بحر العلوم والمعارف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَالقُرْآنُ الكَرِيمُ بَحْرُ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ، جَمَعَهُ اللهُ تعالى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعُلُومِهِ وَحَقَائِقِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرُهُ الكَرِيمُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: لَو تَكَلَّمْتُ لَكُمْ عَلَى سُورَةِ الفَاتِحَةِ لَأَوْقَرْتُ سَبْعِينَ جَمَلَاً.

فَمَا ظَنُّكَ بِعُلُومِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَفَاهِيمِهِ القُرْآنِيَّةِ؟! نَعَمْ، إِنَّ جَمِيعَ مَا عَرَفَهُ العَارِفُونَ وَتَكَلَّمَ بِهِ الوَارِثُونَ المُحَمَّدِيُّونَ، إِنَّمَا هُوَ رُشَاشَاتٌ مِنْ بَحْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَبَسَاتٌ مِنْ أَنْوَارِهِ، وَإِشْرَاقَاتٌ مِنْ أَسْرَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ بَحَثَ العُلَمَاءُ وَالعُرَفَاءُ في العُلُومِ المُسْتَنْبَطَةِ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَلَمْ يَنْتَهُوا إِلَى اسْتِقْصَاءِ أُصُولِهَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حَسْبِ عِلْمِهِ، وَقَدْرِ فَهْمِهِ الذي أُعْطِيَهُ، وَلَكِنْ بَحْرُ مَعَانِي القَرْآنِ وَأَسْرَارِهِ لَا يَتَنَاهَى.

وَفِي الإِتْقَانِ وَغَيْرِهِ عَنِ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ بِنْ العَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أَنَّهُ قَالَ في قَانُونِ التَّأْوِيلِ: عُلُومُ القُرْآنِ خَمْسُونَ عِلْمَاً، وَأَرْبَعُمِائَةِ عِلْمٍ، وَسَبْعَةُ آلافِ عِلْمٍ وَسَبْعُونَ أَلْفَ عِلْمٍ، عَلَى عَدَدِ كَلامِ القُرْآنِ، مَـضْرُوبَةً في أَرْبَعَةٍ، إِذْ لِكُلِّ كَلِمَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَحَدٌّ وَمُطَّلَعٌ، وَهَذَا مُطْلَقٌ، دُونَ اعْتِبَارِ تَرْكِيبٍ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ رَوَابِطَ، فَفِي هَذَا مَا لَا يُحْصَى وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى. اهـ.

وَقَالَ العَلَّامَةُ الرَّاغِبُ: إِنَّ اللهَ تعالى كَمَا جَعَلَ نُبُوَّةَ النَّبِيِّينَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُخْتَتَمَةً، وَشَرَائِعَهُمْ بِشَرِيعَتِهِ مِنْ وَجْهٍ مُنْتَسِخَةً، وَمِنْ وَجْهٍ مُكَمَّلَةً مُتَمَّمَةً، جَعَلَ كِتَابَهُ المُنَزَّلَ عَلَيْهِ مُتَضَمِّنَاً لِثَمَرَةِ كُتُبِهِ التي أَوْلَاهَا أُولَئِكَ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفَاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾.

وَجَعَلَ مِنْ مُعْجِزَةِ هَذَا الكِتَابِ أَنَّهُ مَعَ قِلَّةِ الحَجْمِ، مُتَضَمِّنٌ للمَعْنَى الجَمِّ، بِحَيْثُ تَقْصـُرُ الأَلْبَـابُ الـبَشَرِيَّةُ عَنْ إِحْصَائِهِ، وَتَعْجَزُ الآلَات الدُّنْيَوِيَّةُ عَنِ اسْتِيفَائِهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ﴾. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَقَالَ العَلَّامَةُ الزَّرْكَشِيُّ في البُرْهَانِ: فِي الْقُرْآنِ عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَيُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ لِمَنْ فَهَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمُرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ المُنَافِقِينَ: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسَاً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾. فَإِنَّهَا رَأْسُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سُورَةً. اهـ.

وَالبَحْثُ في عُلُومِ القُرْآنِ وَمَفَاهِيمِهِ وَإِشَارَتِهِ لَيْسَ مَوْضِعُهُ هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا نَمَاذِجَ مُوجَزَةً، يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى سَعَةِ عُلُومِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَارِفِهِ القُرْآنِيَّةِ، التي لَا يُحِيطُ بِأَنْوَاعِهَا إِلَّا اللهُ تعالى الذي أَفَاضَهَا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأحد: 25/رمضان/1439هـ، الموافق: 10/ حزيران / 2018م