49ـ عرض الأمم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

49ـ عرض الأمم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَى العَوَالِمِ العُلْوِيَّةِ، وَمَا يَجْرِي بَيْنَ المَلَأِ الأَعْلَى مِنَ الاخْتِصَامِ حَوْلَ الكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ، وَتَجَلَّتْ لَهُ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا وَعَرَفَهَا، كَمَا في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَثْقَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الْأَعْلَى؟

قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا رَبِّ.

ـ وَفِيهِ أَنَّ اللهَ تعالى أَفَاضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العُلُومَ حَتَّى قَالَ: ـ فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ـ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: فَعَلَّمَنِي كُلَّ شَيْءٍ ـ  وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: فَمَا سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا عَلِمْتُهُ ـ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الْأَعْلَى؟

قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ . . » الحَدِيثَ. انْظُرْ تَمَامَ الحَدِيثِ في كِتَابِنَا: (الصَّلَاةُ في الإِسْلَامِ).

الوَجْهُ الثَّالِثُ: عَرْضُ الأُمَمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الأُمَمُ كُلُّهَا: الأُمَمُ قَبْلَهُ وَأُمَّتُهُ بَعْدَهُ، وَمُثِّلَتْ لَهُ أُمَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عِدَّةِ مُنَاسَبَاتٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ (تَصْغِيرُ رَهْطٍ، وَهِيَ الجَمَاعَةُ دُونَ العَشَرَةِ) وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ، وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفَاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَكْتَوُونَ ـ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وَهَذِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِاخْتِصَارٍ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي الْبَارِحَةَ لَدَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ، حَتَّى لَأَنَا أَعْرَفُ بِالرَّجُلِ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِصَاحِبِهِ، صُوِّرُوا لِي فِي الطِّينِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَجْهُ الرَّابِعُ: رَفْعُ الدُّنْيَا لَهُ وَإِرَاءَتُهُ إِيَّاهَا: كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ اللهُ لَهُ الدُّنْيَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا.

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنْيَا، فَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا، وإِلى مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلى كَفِّي هَذِهِ». انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ.

وَيَشْهَدُ لِهَذَا الحَدِيثِ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا . .» الحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ.

بَلْ أَرَاهُ اللهُ تعالى جَمِيعَ الأَشْيَاءِ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ . .» الحَدِيثَ.

فَعَمَّتْ رُؤْيَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِجَمِيعِ مَا هُنَالِكَ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 15/شوال /1439هـ، الموافق: 29/ حزيران / 2018م