125ـمع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم: «وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ»

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

125ـ «وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرَاً وَنَذِيرَاً، وَدَاعِيَاً إلى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَقَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِوَاجِبِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى أَتَمَّ القِيَامَ، وَتَحَمَّلَ المَسْؤُولِيَّةَ كَامِلَةً حَقَّ التَّحَمُّلِ، مُنْذُ اللَّحْظَةِ الأُولَى التي كَلَّفَهُ اللهُ تعالى بِهَا، إلى أَنْ لَحِقَ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَزَاهُ اللهُ تعالى عَنِ الأُمَّةِ خَيْرَا لجَزَاءِ.

«إِنِّي رَسُولُ اللهِ، أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا أُمِرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ، وَقَعَ أَوَّلُ اخْتِيَارِهِ عَلَى الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهُوَ صَاحِبُهُ الذي يَعْرِفُهُ قَبْلَ البِعْثَةِ بِدَمَاثَةِ خُلُقِهِ، وَكَرِيمِ سَجَايَاهُ، كَمَا يَعْرِفُ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصِدْقِهِ، وَأَمَانَتِهِ، وَأَخْلَاقِهِ، التي تَمْنَعُهُ مِنَ الكَذِبِ عَلَى النَّاسِ، فَكَيْفَ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ تعالى؟!

فَعِنْدَمَا فَاتَحَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدَعْوَةِ اللهِ وَقَالَ لَهُ: «إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَنَبِيُّهُ، بَعَثَنِي لِأُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ، وَأَدْعُوَكَ إِلَى اللهِ بِالْحَقِّ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ، وَالمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ» /كذا في البداية والنهاية.

أَسْلَمَ الصِّدِّيقُ، وَلَمْ يَتَلَعْثَمْ، وَتَقَدَّمَ، وَلَمْ يَتَأَخَّرْ، وَعَاهَدَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُصْرَتِهِ، فَقَامَ بِمَا تَعَهَّدَ، وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّهِ: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ. رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الأَحْرَارِ.

روى ابْنُ كَثِيرٍ في السِّيرَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهُ صَدِيقَاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فُقِدْتَ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِكَ، وَاتَّهَمُوكَ بِالْعَيْبِ لِآبَائِهَا وَأُمَّهَاتِهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَسُولُ اللهِ، أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ».

فَلَمَّا فرغ مِنْ كَلَامِهِ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْطَلَقَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ ـ جَبَلَانِ مُطِيفَانِ بَمَكَّةَ، أَبُو قُبَيْسٍ وَالأَحْمَرُ ـ أَحَدٌ أَكْثَرُ سُرُورَاً مِنْهُ بِإِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ.

وَمَضَى أَبُو بَكْرٍ فَرَاحَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَسعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَسْلَمُوا.

ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ بِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَأَسْلَمُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسْلَمَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمُبَاشَرَةً حَمَلَ الدَّعْوَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَعَلَّمَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الإِسْلَامَ دِينُ العَمَلِ، وَالدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَأَنَّ الإِيمَانَ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يَهَبَ المُسْلِمُ نَفْسَهُ وَمَا يَمْلِكُ للهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾.

وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَثِيرَ الحَرَكَةِ للدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنَ اللَّحْظَةِ الأُولَى مِنْ إِسْلَامِهِ، بِالأُسْلُوبِ الحَكِيمِ الذي رَسَمَهُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَتْ أَوَّلُ ثِمَارِ الصِّدِّيقِ الدَّعَوِيَّةِ دُخُولَ صَفْوَةٍ مِنْ خِيرَةِ الخَلْقِ في الإِسْلَامِ، وَهُمْ: الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَالأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وَجَاءَ بِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ فُرَادَى، فَأَسْلَمُوا بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا الدِّعَامَاتِ الأُولَى التي قَامَ عَلَيْهَا صَرْحُ الدَّعْوَةِ، وَكَانُوا العُدَّةَ الأُولَى في تَقْوِيَةِ جَانِبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِم أَعَزَّهُ اللهُ تعالى وَأَيَّدَهُ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللهِ تعالى أَفْوَاجَاً، رِجَالَاً وَنِسَاءً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اهْتَمَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، مُنْذُ اللَّحْظَةِ الأُولَى مِنْ تَكْلِيفِهِ بِذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، وَلَحِقَ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى.

وَكَانَ لِسَيِّدِنَا الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوَّلِ الرِّجَالِ إِيمَانَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَزِيَّةٌ خَاصَّةٌ، جَاءَ في البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدَاً إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، مَا عَكَمَ ـ أَيْ مَا تَلَبَّثَ ـ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ، وَلَا تَرَدَّدَ فِيهِ».

وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا هَادِينَ مَهْدِيِّينَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 26/ رجب /1439هـ، الموافق: 12/ نيسان / 2018م