51ـ انكشاف الضمائر النفسية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

51ـ انكشاف الضمائر النفسية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: الوَجْهُ السَّابِعُ: انْكِشَافُ الضَّمَائِرِ النَّفْسِيَّةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارُهُ بِذَلِكَ:

رَوَى الحَاكِمُ وَالبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَا: رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي، وَالنَّاسُ يَطَأُونَ عَقِبَهُ (أَيْ: يَمْشُونَ وَرَاءَهُ).

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ في نَفْسِهِ: لَو عَاوَدْتُ هَذَا الرَّجُلَ القِتَالَ، وَجَمَعْتُ لَهُ جَمْعَاً.

فَجَاءَ عَلَيْه ِالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى ضَرَبَ في صَدْرِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ لَهُ: «إِذَنْ نُخْزِيكَ».

فَقاَلَ أَبُو سُفْيَانَ: أَتُوبُ إلى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، مَا أَيْقَنْتُ أَنَّكَ نَبِيٌّ إِلَّا السَّاعَةَ، إِنِّي كُنْتُ لَأُحَدِّثُ نَـفْسِي بِذَلِكَ. انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ، وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ.

وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِرَجُلٍ: هَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمَنَا هَذَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَيْ: نَشْتَغِلُ فِيهِ بِالعِبَادَةِ) فَوَاللهِ لَكَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ هَذَا اليَوْمَ.

فَخَطَبَ فَقَالَ: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَلُمَّ فَلَنَجْعَلْ يَوْمَنَا هَذَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ».

فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ سَاخَتْ بِي (أَيْ: غَاصَتْ بِي).

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَوْرَدَ أَهْلُ السِّيَرِ، قِصَّةَ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ الجُمَحِيِّ، لَمَّا تَكَفَّلَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِوَفَاءِ دُيُونِهِ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ! وَأَسَرَّا ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ذَهَبَ عُمَيْرٌ مُتَوَشِّحَاً سَيْفَهُ المَسْمُومَ إلى المَدِينَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا جَاءَ بِكَ؟».

قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ.

قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟».

فَقَالَ عُمَيْرٌ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئَاً؟

فَقَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟».

قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَتَذَاكَرْتُما أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالِي، لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدَاً! فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».

فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلَّا اللهُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ

وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِنْ حَزْمٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سُفْيَانَ جَالِسٌ في المَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ في نَفْسِهِ: مَا أَدْرِي بِمَ يَغْلِبُنَا مُحَمَّدٌ؟

فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ في صَدْرِهِ، وَقَالَ: «بِاللهِ نَغْلِبُكَ».

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. كَذَا في شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ المُلَوَّحِ هَمَّ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَضَالَةُ؟ ـ وفي رِوَايَةٍ: يَا فُضَالَةُ ـ».

قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «مَاذَا كُنْتُ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟».

قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللهَ.

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَغْفِرْ اللهَ (أَيْ: مِمَّا حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَقَوْلِكَ: لَا شَيْءَ).

ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ (أَيْ: ثَبَتَ فِيهِ الإِسْلَامُ وَمَحَبَّةُ خَيْرِ الأَنَامِ).

فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا خَلْقَ اللهُ شَيْئَاً أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ.

فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:

قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا   ***   يَـأْبَـى عَــلَــيَّ اللهُ وَالْإِسْــلَامُ

لَـوْ مَـا رَأَيْـتِ مُحَـمَّـدَاً وَقَـبِـيلَهُ   ***   بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَـكَـسَّــــرَ الْأَصْنَامُ

لَـرَأَيْـتِ دِيـنَ اللهِ أَضْـحَـى بَيِّنَاً   ***   وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْـلَامُ

كَذَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ وَالإِصَابَةِ وَغَيْرِهِمَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 22/شوال /1439هـ، الموافق: 6/ تموز / 2018م