21ـ نحو أسرة مسلمة: يجب علينا أن نعلم بناتنا واجبهن تجاه أزواجهن(2)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد ذكرت لكم في الدرس الماضي بأنه يجب علينا أن نعلم بناتنا واجباتهن نحو أزواجهنَّ، وأن لا نهمل هذا الواجب الذي نسأل عنه يوم القيامة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاءِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم. وإلا بناتنا سوف يكنَّ ضحية في هذا المجتمع، إما بحياة شقاء مع زوجها، وإما بطلاقها، وإما ببقائها مع زوجها بطريق غير مشروع لا قدَّر الله تعالى.

ويجب علينا أن نعلم بأن التركيز شديد من خلال وسائل الإعلام لإفساد بناتنا وخاصة في حياتهنَّ الزوجية، وذلك بتوجيههن على التمرّد على الأزواج وعدم الطاعة، والإعراض عنه وعدم الاكتراث برضاه أم بغضبه، والافتخار عليه بجمالها أو بحسبها وأنه بوسعها أن تجعل علاقات غير شرعية مع غير زوجها وذلك لكثرة الراغبين فيها.

وإن أثر وسائل الإعلام ضار ضرراً واضحاً في حياتنا، فالمشاكل الزوجيّة قائمة على قدم وساق، وتمرّد الزوجات واضح، ونكران العشير أوضح، أما الخيانة الزوجية فما أكثرها، والذي نسمع به يشيب له الولدان.

لذلك ركَّزنا في الدرس الماضي بأنه يجب أن ندرٍّب على الأسوة الصالحة الحسنة، ولا أفضل ولا أطهر ولا أكمل من زوجات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهاتنا أمهات المؤمنين، وأن نعلِّم بناتنا واجباتهنَّ نحو أزواجهنَّ قبل الحق الذي لهنَّ، وقلنا الواجب الأول: طاعة الزوج في غير معصية الله، والواجب الثاني أن ترضيه إذا غضب، والواجب الثالث أن لا تفتخر على زوجها، والواجب الرابع المحافظة على شرفه في السر والعلن، والواجب الخامس أن لا تنكر العشير.

الواجب السادس:

ويجب علينا أن نربي بناتنا على أن لا تقوم بنافلة إلا بعد إذنه إذا كان شاهداً حاضراً، وذلك مراعاة لحق الزوج، وخاصة في هذا العصر حيث كثر فيه تبرّج النساء وسفورهنَّ، فربما أن يكون الزوج بحاجة إلى زوجته.

لذلك لا يجوز للمرأة أن تصلي نافلة أو تصوم نافلة بحضرة زوجها إلا أن يأذن لها بذلك، أما إذا غائباً فلا حرج في صلاتها وصيامها النافلة بغير إذنه.

انظر إلى تعليم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري.

حتى نصَّ الفقهاء على أن فريضة الحج لا تذهب المرأة إلى أدائها إلا بإذن زوجها، لأن حقَّ الله عز وجل في الحج عند بعض الفقهاء على التراخي، أما حقُّ الزوج فإنه على الفور.

عندما قصَّرنا في هذا الجانب كم حلَّت بنا الطامّات بسبب زعم المرأة أنها صاحبة دين وصاحبة خلق، تريد أن تصوم النهار وتقوم الليل، وتتابع العمرة بعد العمرة والحج بعد الحج، ثم الذهاب إلى مجالس العلم والذكر ولو بدون إذن الزوج، من أين أخذت المرأة الفتوى في ذلك؟

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبيّن هذا بقوله: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ).

رجل منع زوجته من الذهاب إلى العمرة ـ وأي عمرة؟ عمرة نافلة ـ قالت له: إني سأذهب ولو كان الأمر على طلاقي، أي دين هذا؟ وأخرى تقول لزوجها سأذهب إلى مجالس العلم ولو على طلاقي.

سبحان الله ما الغاية من العبادة وخاصة النافلة إذا ضيّعت المرأة حق زوجها؟ ما الغاية من طلب العلم إذا لم يجسّد تجسيداً عملياً؟ هذه لو ذهبت إلى تعلّم العلم وسمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي، هل هي في مجلس العلم تشعر بأن زوجها راض عنها؟

كيف يكون حالها إذا سمعت في مجلس العلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رواه أحمد، وهي تعلم أنها خرجت بغير رضاه؟ وأيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيتها.

فيجب أيها الإخوة والأخوات أن نربّي بناتنا على أن النوافل ما ينبغي أن تأتي بها المرأة إلا برضا زوجها إذا كان حاضراً.

الواجب السابع:

يجب علينا أن نربّي بناتنا على عدم الشطط على الزوج في طلب ما لا يقدر عليه من النفقة، وأكثر الخلافات بهذا السبب، كل واحدة تنظر إلى غيرها في لباسها ومسكنها وطعامها وشرابها والكماليات الموجودة عندها، وتبدأ تطالب زوجها بمثل ذلك.

درِّبها وذكِّرها بأن الرزق مقسوم، والله جل جلاله جعل الناس بعضهم فوق بعض فتنة واختباراً، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}، وقال: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.

وربِّها أن تكون شاكرة لله تعالى وأن لا تكلف زوجها فوق طاقته، وبالمقابل حذَّرها كذلك من أن تمنَّ على زوجها إذا قدَّمت له شيئاً، أو وضعت شيئاً من النفقة في بيتها.

الواجب الثامن:

اجعل وصيَّة لابنتك في ليلة زفافها، وخاصة وأنت صاحب المنزلة والمكانة المرموقة حيث يشار إليك بالبنان، إما لمكانة مادّية أو اجتماعية أو سياسية، وقل لها أي بنية اسمعي وصية هذه الأم لابنتها يوم زفافها.

لما تزوّج الحارث بن عمرو ملك كندة ابنة عوف بن محلم الشيباني، وأرادوا أن يحملوها إلى زوجها قالت لها أمها:

أي بُنيَّة! إن الوصية لو تُركت لفَضلِ أدبٍ تُركت لذلك منك، ولكنها تذْكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل، ولو أن امرأة استغنت على الزوج لغنى أبويها، وشدةِ حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكنَّ النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهنَّ خُلِقَ الرجال.

أي بنية! إنك فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجتِ، وخلفتِ العُشَّ الذي فيه درجتِ، إلى وِكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمةً يَكُنْ لكِ عبداً وشيكاً.

يا بنية! احملي عني عشر خصال تكنْ لكِ ذخراً وذكراً:

الصحبةُ بالقناعة، والمعاشرةُ بحُسن السمع والطاعة، والتعهُّدُ لموقع عينه، والتفقُّد لموضع أنفه، فلا تقعَ عينه منك على قبيح، ولا يشمّ منك إلا أطيب ريح، والكحلُ أحسنُ الحُسْن الموجود، والماء أطيبُ الطيب المفقود، والتعهدُ لوقت طعامه، والهدوءُ عنه عند منامه، فإن حرارةَ الجوعِ مَلْهَبة، وتنغيص النوم مَغْضَبة، والاحتفاظُ بالمال حُسنُ التقدير، والإرعاءُ على العيال والحَشَم جميلُ حُسنِ التدبير، ولا تُفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غدرَه، وإن عصيتِ أمره أوغرْتِ صدره، ثم اتَّقي مع ذلك الفرحَ إن كان تَرِحاً، والاكتئابَ عنده إن كان فرِحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظاماً، يكنْ أشدَّ ما يكونُ لك إكراماً، وأشدَّ ما تكونين له موافقة يكنْ أطول ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ وكرهتِ، والله يخير لك.

فَحُمِلَتْ فسُلِّمَتْ إليه، فعظُم موقعُها منه، وولدَتْ الملوك السبعة الذين ملكوا اليمن بعده، وهكذا تكون النساء الفضيلات.

أسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لحسن تربية أبنائنا وبناتنا، وأن يجمعنا معهم تحت لواء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. آمين آمين آمين.

**     **     **