58ـ خاتم النبوة

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

58ـ خاتم النبوة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ ثَبَتَ في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ: بَضْعَةُ لَحْمٍ نَاشِزَةٌ ـ أَيْ: مُرْتَفِعَةٌ ـ في ظَهْرِهِ الشَّرِيفِ، عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ اليُـسْـرَى، عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ كَأَنَّهَا خِيلَانٌ،  يَزْهُو بِالنُّورِ، وَتَعْلُوهُ المَهَابَةُ، وَيَنْفُحُ بِالطِّيبِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جُمْلَةِ أَوْصَافِهِ: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ . . . الحَدِيثُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ رُمَيْثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ قُرْبِي مِنْهُ، لَفَعَلْتُ ـ يَقُولُ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَوْمَ مَاتَ: «اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».

أَوْصَافُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ: جَاءَ في خَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَوْصَافُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا، كَمَا سَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ ـ وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ ـ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ (وَفِي رِوَايَةٍ: وَقِعٌ ـ بِكَسْرِ القَافِ ـ وَالمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ) فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: أَمَّا زِرُّ الحَجَلَةِ فَبِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ، أَيْ: وَاحِدُ الأَزْرَارِ التي تُوضَعُ في العُرَى التي تَكُونُ للخَيْمَةِ، قَالَ: وَالحَجَلَةُ: بِفَتْحِ الحَاءِ وَالجِيمِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ المَشْهُورُ، وَالمُرَادُ بِالحَجَلَةِ وَاحِدَةُ الحَجَالِ، وَهِيَ: بَيْتٌ كَالقُبَّةِ، أَيْ كَالقُبَّةِ الصَّغِيرَةِ تُعَلَّقُ عَلَى السَّرِيرِ، لَهَا أَزْرَارٌ كِبَارٌ وَعُرَى، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ المَشْهُورُ، الذي قَالَهُ الجُمْهُورُ. اهـ).

وروى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدُرْتُ هَكَذَا مِنْ خَلْفِهِ، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَلْقَى الرِّدَاءَ عَنْ ظَهْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ عَلَى كَتِفَيْهِ مِثْلَ الْجُمْعِ (بِضَمِّ الجِيمِ وَإِسْكَانِ المِيمِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَجَمْعِ الكَفِّ، وَهُوَ صُورَتُهُ بَعْدَ أَنْ تَجْمَعَ الأَصَابِعَ وَتَضُمَّهَا، كَمَا أَوْضَحَهُ النَّوَوِيُّ ـ وَالمُرَادُ: أَنْ تُجْمَعَ الأَصَابِعُ وَتُضَمَّ إلى بَاطِنِ الكَفِّ، كَالقَابِضِ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا بَيَّنَهُ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ ـ)

حَوْلَهُ خِيلَانٌ (قَالَ: وَأَمَّا الخِيَلَانُ: فَبِكَسْرِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اليَاءِ، جَمْعُ خَالٍ، وَهُوَ الشَّامَةُ في الجَسَدِ ـ وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.)

كَأَنَّهَا الثَّآلِيلُ، فَجِئْتُ حَتَّى اسْتَقْبَلْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «وَلَكَ».

قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: نَعَمْ، وَلَكُمْ، ثُمَّ تَلَا ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾.

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرْتُ إلى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا نَاغِضُ الكَتِفِ: فَبِالنُّونِ وَالغَيْنِ وَالضَّادِ المُعْجَمَتَيْنِ، وَالغَيْنُ مَكْسُورَةٌ، وَقَالَ الجُمْهُورُ: النَّغْضُ وَالنَّاغِضُ: أَعْلَى الكَتِفِ، وَقِيلَ: هُوَ العَظْمِ الرَّقِيقُ الذي عَلَى طَرَفِهِ، وَقِيلَ: مَا يَظْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ التَّحَرُّكِ. اهـ).

جُمْعَاً، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ خَاتَمَاً فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ ـ وَاللَّفْظُ لَهُ ـ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ العَوْقِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: «كَانَتْ بِضْعَةً نَاشِزَةً (أَيْ: قِطْعَةُ لَحْمٍ مُرْتَفِعَةٌ).

وَرَوَى التَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عِلْبَاءَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا زَيْدٍ، ادْنُ فَامْسَحْ ظَهْرِي».

فَمَسَحْتُ ظَهْرَهُ، فَوَقَعَتْ أَصَابِعِي عَلَى الْخَاتَمِ.

قُلْتُ: وَمَا الْخَاتَمُ؟

قَالَ: «شَعَرَاتٌ مُجْتَمِعَاتٌ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ العُلَمَاءُ: وَاخْتِلَافُ أَقْوَالِ الرُّوَاةِ في أَوْصَافِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ، لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّنَافِي بَيْنَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّاً مِنْهُمْ شَبَّهَ بِمَا سَنَحَ لَهُ وَظَهَرَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتُرُهُ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ في ظَهْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَاصِفُهُ إِمَّا رَآهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَو أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرَاهُ لَهُ، مَعَ مُلَاحَظَةِ الرَّائِي مَقَامَ الهَيْبَةِ وَالوَقَارِ وَالأَدَبِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ العَلَّامَةُ القُرْطُبِيُّ في شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ: الأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ شَيْئَاً بَارِزَاً أَحْمَرَ، عِنْدَ كَتِفِهِ الأَيْسَرِ، إِذَا قُلِّلَ: قَدْرُ بَيْضَةً ـ أَيْ: قِيلَ فِيهِ قَدْرُ بَيْضَةِ الحَمَامِ ـ وَإِذَا كُثِّرَ: جُمْعُ الكَفِّ ـ أَيْ: قِيلَ فِيهِ قَدْرُ جُمْعِ الكَفِّ ـ. انْظُرْ جَمِيعَ ذَلِكَ في شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ وَفَتْحِ البَارِي.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 21/ذو القعدة /1439هـ، الموافق: 3/ آب / 2018م