59ـ حكمة وضع الخاتم بين الكتفين الشريفين

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

59ـ حكمة وضع الخاتم بين الكتفين الشريفين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حِكْمَةُ وَضْعِهِ بَيْنَ الكَتِفَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ: ذَكَرَ العُلَمَاءُ في ذَلِكَ وُجُوهَاً مِنَ الحِكَمِ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَغَيْرُهُ مِنَ العُلَمَاءِ قَبْلَهُ، في الحِكْمَةِ في كَوْنِ الخَاتَمِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِشَارَةٌ إلى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ يَأْتِي مِنْ وَرَائِكَ. اهـ. انُظْرِ البِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ.

وَقَالَ في الفَتْحِ: قَالَ العُلَمَاءُ: السِّرُّ في ذَلِكَ أَنَّ القَلْبَ في تِلْكَ الجِهَةِ.

وَقَالَ العَلَّامَةُ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْضِ الأُنْفِ: وَحِكْمَةُ وَضْعِهِ ـ أَيْ: الخَاتَمِ ـ عِنْدَ النُّغْضِ ـ مِنَ الكَتِفِ اليُسْرَى ـ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَذَلِكَ المَوْضِعُ مِنْهُ يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ. اهـ. فَكَانَ ذَلِكَ حِفْظَاً لَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ.

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ إلى مَيْمُونَ بْنِ مَهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنَ ابْنِ آدَمَ، فَأُرِيَ جَسَدَهُ مُمهى (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: مُمْهَى بِضَمِّ المِيمِ الأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفِ الهَاءِ، مِنْ أَمْهَاهُ، أَيْ: مُصَفَّى ـ وَفِي النِّهَايَةِ: مُمَهَّى عَلَى وَزْنِ مُصَفَّى ـ).

يُرَى دَاخِلُهُ مِنْ خَارِجِهِ، وَأُرِيَ الشَّيْطَانَ في صُورَةِ ضِفْدَعٍ، عِنْدَ كَتِفِهِ حِذَاءَ قَلْبِهِ، لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ البَعُوضَةِ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ في مَنْكِبِهِ الأَيْسَرِ إلى قَلْبِهِ،  يُوَسْوِسُ إِلَيْهِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تعالى العَبْدُ خَنَسَ.

قَالَ في الفَتْحِ: وَهُوَ مَقْطُوعٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ مَرْفُوعٌ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَدِيٍّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ . .» الحَدِيثَ.

قَالَ: وَأَوْرَدَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ في كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنَ ابْنِ آدَمَ، قَالَ: فَإِذَا بِرَأْسِهِ مِثْلُ الحَيَّةِ، وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى تَمْرَةِ القَلْبِ، فَإِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ. اهـ. انْظُرْ فَتْحَ البَارِي.

مَتَى خُتِمَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ هَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَمْ إِنَّهُ وُضِعَ لَهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ؟

فَقِيلَ: وُلِدَ بِهِ، نَقَلَهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَرَدَّهُ في الفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفَ القَائِلُونَ بِالثَّانِي ـ أَيْ: بِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ بَعْدَ الوِلَادَةِ ـ

فَقِيلَ: حِينَ وُلِدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُضِعَ لَهُ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ـ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ فِيهِ نَكَارَةٌ.

وَقِيلَ: عِنْدَ شَقِّ صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ في بَنِي سَعْدٍ، لِمَا وَرَدَ في حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ، عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ.

قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَقَطَعَ بِهِ القَاضِي عِيَاضٌ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ الأَثْبَتُ. اهـ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ عِنْدَ المَبْعَثِ، لِمَا تَقَدَّمَ في حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَفِيهِ: «وَخُتِمَ في ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الخَاتَمِ في قَلْبِي وَقَالَ: ﴿اقْرَأْ . .﴾». الحَدِيثَ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ، لِمَا وَرَدَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَابْنِ جَرِيرٍ وَالحَاكِمِ في حَدِيثِ المِعْرَاجِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. انْظُرْ فَتْحَ البَارِي وَشَرْحَ المَوَاهِبِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَطَرِيقُ الجَمْعِ أَنَّ الخَتْمَ تَكَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: في بَنِي سَعْدٍ (أَيْ: في صِغَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ عِنْدَ المَبْعَثِ، ثُمَّ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ ـ أَيْ: الأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ ـ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِهَذَا الجَمْعِ فَإِنَّ فِيهِ إِعْمَالُ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا، إِذْ لَا دَاعِيَ إلى رَدِّ بَعْضِهَا، وَإِعْمَالِ بَعْضِهَا، لِصِحَّةِ كُلٍّ مِنْهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّامِي (أَيْ: في سِيرَتِهِ) قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ بَعْدَ الوِلَادَةِ، فَضَعِيفَةٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ وُلِدَ بِهِ: فَضَعِيفٌ أَيْضَاً، يُطْلَبُ زَاعِمُهُ بِدَلِيلِهِ. اهـ. انْظُرْ شَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 24/ذو القعدة /1439هـ، الموافق: 6/ آب / 2018م