60ـ سبب تسميته بخاتم النبوة

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

60ـ سبب تسميته بخاتم النبوة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ: قَالَ العَلَّامَةُ القُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحَدُ العَلَامَاتِ الوَاضِحَةِ التي يَعْرِفُهُ بِهَا أَهْلُ الكُتُبِ السَّابِقَةِ. اهـ.

وَذِلَكَ لِمَا وَرَدَ في جُمْلَةِ صِفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَارَاتِ صِدْقِهِ، في الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ، أَنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ.

وَلِذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَ بَعْضُ الرُّهْبَانِ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ بِظُهُورِ النَّبِيِّ في الحِجَازِ وَوَصَفَهُ لَهُ، وَأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِهِ: عَدَمُ قَبُولِ الصَّدَقَةِ، وَقَبُولُ الهَدِيَّةِ، وَأَنَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ، فَجَاءَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْحَصُ عَنْهَا، فَلَمَّا رَأَى الخَاتَمَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟».

قَالَ: صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ.

قَالَ: «ارْفَعْهَا؛ فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ». فَرَفَعَهَا.

فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: هَدِيَّةٌ لَكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «ابْسُطُوا».

فَنَظَرَ إِلَى الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ.

وَكَانَ لِلْيَهُوَدِ (رَقِيقَاً) ـ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ في بِلَادِ فَارِسَ بَيْنَ قَوْمٍ مَجُوسٍ، فَهَرَبَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَحِقَ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الرُّهْبَانِ في القُدْسِ، فَدَلَّهُ أَحَدُهُمْ عَلَى ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ العَرَبِ، فَقَصَدَ الحِجَازَ مَعَ جَمْعٍ مِنَ الأَعْرَابِ، فَبَاعُوهُ لليَهُودِ. اهـ. كَمَا في شُرُوحِ الشَّمَائِلِ للتِّرْمِذِيِّ.

فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمَاً (قَالَ العَلَّامَةُ البَيْجُورِيُّ: أَيْ: تَسَبَّبَ في كِتَابَةِ اليَهُودِ لَهُ، لِأَمْرِهِ بِذَلِكَ، فَتَجَوَّزَ بِالشِّرَاءِ عَمَّا ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ: بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمَاً، أَيْ: بِعَدَدٍ يَشْتَمِلُ عَلَى العَطْفِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ في هَذَا الحَدِيثِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ أُوقِيَةً، قِيلَ: مِنْ فِضَّةٍ، وَقِيلَ: مِنْ ذَهَبٍ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجِ مِنْ ذَهَبٍ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ المُكَاتِبُ؟».

فَدُعِيَ فَقَالَ لَهُ: «خُذْهَا فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ».

قَالَ سَلْمَانُ: فَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خُذْهَا، فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ».

قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَعُتِقَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. اهـ).

وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلَاً فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى تُطْعِمَ.

قَالَ: فَغَرَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَحَمَلَتِ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلِ النَّخْلَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ؟».

قَالَ عُمَرُ: أَنَا غَرَسْتُهَا يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ غَرَسَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ في قِصَّةِ ـ بُحَيْرَاءَ أَو بَحِيرَا ـ الرَّاهِبِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ المُخْبَرِ عَنْهُ في الكُتُبِ السَّابِقَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ (بَحِيرَا) هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ».

قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ (أَيْ: يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَيَطْلُبُ في خِلَالِهِمْ شَخْصَاً) حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟ (أَيْ: مَا سَبَبُ عِلْمِكَ بِذَلِكَ؟).

فَقَالَ الرَّاهِبُ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ العَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدَاً، وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ، مِثْلَ التُّفَّاحَةِ.

ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامَاً، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ (أَيْ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ.

قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ القَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ ـ أَي: الرَّاهِبُ ـ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ.

قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ (أَي: قَرِيبُهُ).

قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ (أَي: يُنَاشِدُ أَبَا طَالِبٍ)حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ (أَي: أَعَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى مَكَّةَ خَوْفَاً عَلَيْهِ مِنَ الرُّومِ أَنْ يَقْتُلُوهُ) وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالَاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الكَعْكِ وَالزَّيْتِ

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ الجَزَرِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحَدِهِمَا، وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَعَدَّهُ أَئِمَّتُنَا وَهْمَاً، وَهُوَ كَذِلَكَ، فَإِنَّ سِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَبُو بَكْرٍ أَصْغَرُ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ، وَبِلَالٌ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ في ذَلِكَ الوَقْتِ. اهـ. كَمَا في المِرْقَاةِ. وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في الإِصَابَةِ: الحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى هَذِهِ اللَّفْظَةُ (أَيْ: ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِيهِ، مُنْقَطِعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، وَهْمَاً مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ. اهـ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 2/ذو الحجة/1439هـ، الموافق: 13/ آب / 2018م