61ـ حول خلقه العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

61ـ حول خلقه العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ خُلُقِهِ العَظِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ اللهُ تعالى : ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرَاً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

أَقْسَمَ اللهُ تعالى بِنُونٍ، وَهُوَ المَدَدُ الإِلَهِيُّ الفَيَّاضُ، الذي مِنْهُ اسْتِمْدَادُ القَلَمِ الأَعْلَى المُسْتَفِيضِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ تعالى، كَمَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ.

قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا أَكْتُبُ؟

فَقَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ». الحَدِيثَ.

ثُمَّ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِجَمِيعِ مَا تُسَطِّرُهُ المَلَائِكَةُ وَمَا يُسَطِّرُهُ المُسَطِّرُونَ: مَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِ نِعْمَةِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ بِمَجْنُونٍ، لِأَنَّ مَوَاقِفَ رِسَالِتَكِ، وَدَعْوَتِكَ الحَكِيمَةِ، وَشَرِيعَتِكَ المُسْتَقِيمَةِ، هِيَ في أَعْلَى دَرَجَةِ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا وَيَلْتَقِي مَعَ قَوْلِهِمْ فِيكَ مَجْنُونٌ؟! بَلْ المَجْنُونُ هُوَ الذي يَتَّهِمُ صَاحِبَ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَالفَهْمِ بِالجُنُونِ!.

﴿وَإِنَّ لَكَ﴾. يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى هَذَا التَّحَمُّلِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ ﴿لَأَجْرَاً غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾. أَيْ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ.

﴿وَإِنَّكَ﴾. يَا رَسُولَ اللهِ في الأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ التي عَلَوْتَ قِمَّتَهَا، وَانْتَهَيْتَ إلى ذُرْوَتِهَا، إِنَّكَ حَقَّاً ﴿لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمٌ في كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الأَخْلَاقِ الكَامِلَةِ، فَهُوَ عَظِيمٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حِلْمِهِ وَسَمَاحَتِهِ، عَظِيمٌ في كَرَمِهِ وَسَخَائِهِ، عَظِيمٌ في شَجَاعَتِهِ، عَظِيمٌ في تَوَاضُعِهِ، عَظِيمٌ في كَرِيمِ عِشْرَتِهِ، عَظِيمٌ في حَيَائِهِ، عَظِيمٌ في أَدَبِهِ، عَظِيمٌ في رَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ، عَظِيمٌ في سَائِرِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَكَيْفَ لَا يَكُونُ صَاحِبَ الخُلُقِ العَظِيمِ وَقَدْ تَخَلَّقَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ! كَمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَرْضَى لِرِضَاهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَتْ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقَاً، كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ: يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، لَمْ يَكُنْ فَاحِشَاً وَلَا مُتَفَحِّشَاً، وَلَا صَخَّابَاً في الأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.

ثُمَّ قَرَأَتْ: اقْرَأْ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ إِلَى العَشْرِ الآيَاتِ، فَقَرَأَ السَّائِلُ.

فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلقُاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: «لَبَّيْكَ».

فَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوِيه وَأَبُو نُعَيمٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. اهـ. مِنْ شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً نَادَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَاً، كُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ: «لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ». قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى في الكَبِيرِ عَنْ شَيْخِهِ جُبَارَةَ بْنِ المُغَلِّسِِ، وَثَّقَهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ رِجَالُ الصَّحِيحِ. اهـ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 2/ذو الحجة/1439هـ، الموافق: 13/ آب / 2018م