63ـ كَمَالُ لُطْفِهِ وَلِينُ عَرِيكَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

63ـ كَمَالُ لُطْفِهِ وَلِينُ عَرِيكَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَمَالُ لُطْفِهِ وَلِينُ عَرِيكَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. الآيَةَ.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيِّنَ الجَانِبِ، سَهْلَ الخُلُقِ، حَسَنَ المُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ وَالأَصْحَابِ وَسَائِرِ النَّاسِ، يُعْطِي جَلِيسَهُ حَظَّاً كَبِيرَاً مِنَ الانْبِسَاطِ وَالمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ المُقَابَلَةِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً . .  الحَدِيثَ.

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشَاً وَلَا مُتَفَحِّشَاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً».

وَمِنْ لُطْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا كَانَ يُقَابِلُ أَحَدَاً بِمَا يَكْرَهُ: فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَّابَاً، وَلَا فَحَّاشَاً، وَلَا لَعَّانَاً، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ».

بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ لُطْفَاً:

رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ في الدَّلَائِلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ النَّاسِ لُطْفَاً، وَاللهِ مَا كَانَ يَمْتَنِعُ في غَدَاةٍ بَارِدَةٍ مِنْ عَبْدٍ وَلَا أَمَةٍ تَأْتِيهِ بِالمَاءِ، فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالمَاءِ وَذِرَاعَيْهِ.

وَمَا سَأَلَهُ سَائِلٌ قَطُّ إِلَّا أَصْغَى إِلَيْهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ ـ أَيْ: السَّائِلُ ـ الذي يَنْصَرِفُ عَنْهُ.

وَمَا تَنَاوَلَ أَحَدٌ يَدَهُ قَطُّ إِلَاّ نَاوَلَهُ إِيَّاهَا، فَلَا يَنْزِعُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الذي يَنْزِعُهَا مِنْهُ.

انْبِسَاطُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الأَهْلِ وَذَوِي القُرْبَى:

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ (قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: نِسْوَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غَيْرُهُنَّ ـ أَيْ: مِنْ أَقَارِبِهِ المَحَارِمِ ـ).

يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِهِ: قَالَ العُلَمَاءُ: مَعْنَى يَسْتَكْثِرْنَهُ: يَطْلُبْنَ كَثِيرَاً مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ بِحَوَائِجِهِنَّ وَفَتَاوِيهِنَّ، وَقَوْلُهُ: عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مِنْ قِبَلِ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُلُوَّ أَصْوَاتِهِنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهِنَّ، لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا صَوْتُهَا أَعْلَى مِنْ صَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ).

فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ (أَيْ: لِأَنَّ عُمَرَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِنَّ أَجْنَبِيٌّ، فَيَجِبُ الاحْتِجَابُ مِنْهُ، وَفِي هَذَا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ حِجَابِ المَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ للأَجْنَبِيِّ عَنْهَا حَتَّى الوَجْهَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهُ أَيْضَاً).

فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ.

فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ (أَيْ: أَدَامَ اللهُ فَرَحَكَ المُوجِبَ لِبُرُوزِ سِنِّكَ وَظُهُورِ نُورِكَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَظُهُورِ أَمْرٍ عَجَبٍ، فَأَطْلِعْنِي عَلَيْهِ، وَشَرِّفْنِي بِالإِشَارَةِ إِلَيْهِ. اهـ. مِنَ المِرْقَاةِ).

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ».

قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ.

ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: أَنْتَ يَا عُمَرُ كَثِيرَ الغِلْظَةِ وَالفَظَاظَةِ، بِخِلَافِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَيِّنُ الجَانِبِ، كَثِيرُ الرِّفْقِ؛ قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: قَالَ العُلَمَاءُ: وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ أَفْعَلَ هُنَا للمُفَاضَلَةِ، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى فَظٍّ غَلِيظٍ. اهـ).

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكَاً فَجَّاً إِلَّا سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ (الفَجُّ: هُوَ الطَّرِيقُ الوَاسِعُ، وَيُطْلَقُ عَلَى المَكَانِ بَيْنَ الجَبَلَيْنِ)».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 20/ذو الحجة/1439هـ، الموافق: 31/ آب / 2018م