2ـ كلمة في مناسبة عقد زواج

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام الأحبة، مما سنَّه لنا النبي صلى الله عليه وسلم الخُطبة في عقد النكاح وأن تكون قبل العقد، كما سنَّ لنا الخُطبة قبل الخِطبة، وما ذاك إلا لنتعلم العلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنشرِّف ألسنتنا وأسماعنا بكلام الله عز وجل، وبكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونكون بذلك طبَّقنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) رواه البخاري. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ) رواه البخاري.

ومن المعلوم أيها الإخوة: أن الغاية من العلم العمل، فعمل بلا علم لا يكون، وعلم بلا عمل جنون، وربنا عز وجل يقول: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}.

وهذا العمل يجب أن يكون مبنياً على أساس من العلم، فمن هذا العلم الذي يجب علينا أن نتعلمه، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي.

لنقف أمام هذا الكلام العظيم الذي خرج من فمٍ طاهرٍ شريفٍ والذي ما خرج منه إلا حقٌ، أمام هذا الكلام الجامعِ المانعِ، الموجزِ البليغِ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وقفة العبد المؤمن المتدبِّر كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.

تدبروا أيها الإخوة قوله صلى الله عليه وسلم: (دِينَهُ وَخُلُقَهُ) لماذا قال: دينه وخُلُقه؟ أما يكفي الدين بدون أخلاق؟ أما تكفي الأخلاق بدون دين؟ الجواب: لا.

لا بد من الجمع بينهما، وإذا اختل هذا الشرط وقعت الفتنة وانتشر الفساد.

وأكثر الناس اليوم إما صاحبُ دين وخلقُهُ سيئٌ، وإما صاحب خلقٍ حسنٍ وهو متفلتٌ من دينه، وكلا القسمين مرفوض في دين الله عز وجل، لأن صاحب الدين والخلق السيئ عرفَ حقَ الله تعالى، وضيَّع حقوق الناس، ومن عرفَ حق الله تعالى وضيَّع حقوق الناس هذا من المفلسين يوم القيامة، وهذا ما أكَّده النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.

صاحب الدين وهو سيئ الأخلاق قد يكون في النار إذا لم يرحمْه الله تعالى، ولم يتحمَّل عنه حقوق الناس، لما جاء في الحديث (أن رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ فُلانَةَ ذُكِرَ مِن كَثرَةِ صَلاتِها وصِيامِها غَيرَ أَنَّها تُؤذِي جيرانها بِلِسَانِها قال: (هي في النار) قال: إنَّ فُلانَة ذُكِرَ مِن قِلَّةِ صَلاتِها وصِيامِها وأنَّها ما تَصَدَّقَت بأَثوارِ أَقْطٍ غيرَ أنَّها لا تؤذي جيرانَها، قال: (هيَ في الجنَّة) رواه الدارقطني. فواحدة حافظت على الفرائض فقط مع خلق حسن كانت في الجنة، وأخرى أكثرت من النوافل مع سوء خلق كانت في النار .

فالأخلاق جزء من الدين، فلماذا نفصل بينهما؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق) رواه البيهقي. لا تفصل يا صاحب الدين الخُلُقَ عن الدين، واجمع بينهما حتى تؤدي حقَّ الله وحقَّ العباد.

ويجب أن تكون الأخلاق الحسنة أولاً مع الزوجة ومع أهل البيت، لما جاء في الحديث الشريف، عنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. ويقول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ) رواه البخاري ومسلم.

يا صاحب الدين بدون أخلاق كن مُبشِّراً لا مُنفِّراً، وتذكر قول الله عز وجل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}.

أليس نفور الزوجة والأهل من الدين من جملة الفساد المشار إليه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)؟ رواه الترمذي.

أَمَّا مَنْ عرفَ حَق الناس وضيِّعَ حقَ الله عز وجل هذا لا يُؤمن جانبه على أعراض الناس ومحارمهم، فكم من امرأة افتتنت في دينها وأخلاقها عند أمثال هؤلاء الرجال؟ فضيَّعت صلاتها عند هذا الرجل، وإذا ماتت وكانت لا قدر الله تاركة لصلاتها فمصيرها إلى النار إذا لم يغفر الله عز وجل لها، وذلك لقوله تعالى: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِين * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُون * عَنِ الْمُجْرِمِين * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين}، لأن زوجها لا يعرف قول الله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، أليس هذا من الفساد المُشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)؟

وكم من امرأة ضيَّعت حِجابها عند أمثال هؤلاء الرجال أصحاب الأخلاق بدون دين، فكان مآل المرأة بعد ضياع حجابها إلى نار جهنم، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم. لأنَّ زوجها لا يعرف قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}، أليس هذا من الفساد المُشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)؟

ماذا انتفع بناتنا من رجال أصحاب خلق بدون دين؟ هل يسرُّنا أن تسعد بناتُنا في دار الفناء وتشقى في دار البقاء؟

علينا أيها الإخوة الكرام أن نتَّبع الهدي النبويَّ الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لنفوز بسعادة الدارين. والحمد لله رب العالمين.

** ** **