31ـ أرجحية عقله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

31ـ أرجحية عقله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَرْجَحِيَّةُ عَقْلِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ العُقُولِ:

العَقْلُ مَوْهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ وَهَبَهُ اللهُ تعالى للإِنْسَانِ، وَشَرَّفَهُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الحَيَوَانِ، بِهِ يُعْرِفُ العَاقِلُ حَسَنَ الأَشْيَاءِ وَقَبِيحَهَا، وَكَمَالَهَا وَنُقْصَانَهَا، وَبِهِ يَعْلَمُ خَيْرَ الخَيْرَيْنِ وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ.

(وَقَدْ ذَكَرَ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرَاتِبَ العُقُولِ، وَأَنَّ بَعْضَ مَرَاتِبِ العَقْلِ يَنْتَهِي إلى بَعْضٍ، إِذَا ارْتَفَعَتِ الحُجُبُ وَالقَوَاطِعُ، فَارْجِعْ إلى تَفَاصِيلِ ذَلِكَ في كُتُبِهِ).

وَلَقَدْ بَلَغَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ تعالى، مِنْ أَرْجَحِيَّةِ العَقْلِ وَكَمَالِهِ الغَايَةَ القُصْوَى التي لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى وَفَضْلِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. أَيْ: أَنْتَ في أَعْلَى مُسْتَوَى كَمَالِ العَقْلِ وَسُمُوِّ الفِكْرِ، فَلَقَدْ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ن﴾ وَهُوَ المَدَدُ الإِلَهِيُّ الفَيَّاضُ، وَبِالقَلَمِ الأَوَّلِ المُسْتَفِيضِ، وَبِمَا يَسْطُرُهُ المُسَطِّرُونَ في المُسْتَوَى الأَعْلَى، الذي سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَرِيفَ أَقْلَامِهِ، وَمَا تُسَطِّرُهُ الأَقْلامُ المُسْتَمَدَّةُ مِنَ القَلَمِ الأَوَّلِ.

أَقْسَمَ بِهَذَا القَسَمِ العَظِيمِ عَلَى سَعَةِ عَقْلِ هَذَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ جُنُونٍ، وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ العَقْلِ الأَكْمَلِ، وَالعِلْمِ الوَاسِعِ الأَفْضَلِ، وَأَنَّهُ كَيْفَ لَا يَكُونُ عَقْلُهُ فَوْقَ كُلِّ العُقُولِ، وَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَكْرَمَهُ فَخَصَّهُ بِالنُّبُوَّةِ الجَامِعَةِ وَالخَاتِمَةِ، وَالرِّسَالَةِ العَامَّةِ، وَنُزُولِ القُرْآنِ الجَامِعِ للعُلُومِ كُلِّهَا، فَإِنَّ هَذِهِ النِّعَمَ لَا يَتَحَمَّلُهَا إِلَّا مَنْ خَصَّهُ الله تعالى بِأَكْمَلِ العُقُولِ وَأَرْجَحِهَا وَلِذَا قَالَ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. أَيْ: مَا أَنْتَ بِسَبَبِ نِعْمَةِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَالقُرْآنِ الجَامِعِ لِأَنْوَاعِ العُلُومِ وَالحِكْمَةِ، مَا أَنْتَ بِمَجْنُونٍ ـ فَهُوَ يَنْفِي مَا اخْتَلَقَهُ أَعْدَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُثْبِتُ لَهُ بِالدَّلِيلِ القَاطِعِ أَرْجَحِيَّةَ العَقْلِ وَالحِكْمَةَ.

وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ القُرْآنُ الجَامِعُ للعُلُومِ وَالمَعَارِفِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ الحِكْمَةُ العَالِيَةُ التي هِيَ فَوْقَ كُلِّ حِكْمَةٍ، كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَائِبَةُ خَلَلٍ أَو نَقْصٍ؟! ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرَاً﴾. أَيْ: بِسَبَبِ صَبْرِكَ عَلَى طَعْنِهِمْ بِكَ. ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾. غَيْرَ مَقْطُوعٍ.

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ خَلْقِ اللهِ عَقْلَاً كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَفْضَلُ النَّاسِ أَعْقَلُ النَّاسِ، وَذَلِكَ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ، الذي رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: قَرَأْتُ في أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابَاً ـ أَيْ: مِنَ الكُتِبِ السَّابِقَةِ ـ فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَحَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ بَيْنِ رِمَالِ جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلَاً، وَأَفْضَلُهُمْ رَأْيَاً. كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ.

وَإِنَّ العَقْلَ الكَامِلَ هُوَ الأَصْلُ الذي تَنْشَأُ عَنْهُ الخِصَالُ الحَمِيدَةُ، وَالمَوَاهِبُ الرَّشِيدَةُ، وَبِهِ تُقْتَبَسُ الفَضَائِلُ، وَتُجْتَنَبُ الرَّذَائِلُ، وَهُوَ الذي يُسْلِمُ صَاحِبَهُ إلى مَجَامِعِ الخَيْرِ وَالفَضْلِ، كَمَا وَرَدَ في حَدِيثِ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، حِينَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ.

قَالَ: فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ.

فَقُلْتُ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَالَ» فَأَقْبَلَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَمْدُ للهِ الذي هَدَاكَ، قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلَاً، رَجَوْتُ أَنْ لَا يُسْلِمَكَ إِلَّا إِلَى الخَيْرِ .....» الحَدِيث.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ ـ قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ ـ عَنْ قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ لَنَا أَرْبَابٌ وَرَبَّاتٌ نَعْبُدُهُنَّ مِنْ دُونِ اللهِ، فَدَعَوْنَاهُنَّ فَلَمْ يُجِبْنَ، وَسَأَلْنَاهُنَّ فَلَمْ يُعْطِينَ، فَجِئْنَاكَ فَهَدَانَا اللهُ بِكَ، فَنَحْنُ نَعْبُدُ اللهَ».

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلْبِسْنِي ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِكَ قَدْ لَبِسْتَهُمَا؛ فَكَسَاهُ.

فَلَمَّا كَانَ بِالمَوْقِفِ فِي عَرَفَاتٍ، قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدْ عَلَيَّ مَقَالَتَكَ».

فَأَعَادَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ مَنْ رُزِقَ لُبَّاً».

أَيْ: عَقْلَاً رَاجِحَاً اهْتَدَى بِهِ إلى الإِسْلَامِ، وَفِعْلِ المَأْمُورَاتِ، وَتَرْكِ المَنْهِيَّاتِ؛ قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ﴾.

وَفِي هَذَا بَيَانٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ العَقْلَ الرَّجِيحَ، يُلْزِمُ صَاحِبَهُ بِالتَّمَسُّكِ بِهَذَا الدِّينِ الإِسْلَامِيِّ، لِأَنَّهُ دِينٌ كَامِلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ غَايَةُ بُغْيَةِ العَقْلِ الرَّجِيحِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ العَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللهِ الحَيَاءُ وَحُسْنُ الخُلُقِ» رَوَاهُ صَاحِبُ الفِرْدَوْسِ عَنْ أَنَسٍ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، كَمَا في فَيْضِ القَدِيرِ.

لِأَنَّ الإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ المُحْكَمُ، وَهُوَ المَعْقُولُ المُبْرَمُ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. أَيْ: تَعْقِلُونَ مَعَانِيَهُ وَأَوَامِرَهُ وَمَنَاهِيَهُ، فَتَعْلَمُونَ يَقِينَاً أَنَّهُ لَا يَأْمُرُكُمْ إِلَّا بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَلَا يَنْهَاكُمْ إِلَاّ عَمَّا هُوَ شَرٌّ لَكُمْ.

كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّها الذينَ آمَنُوا﴾. فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ، فَكُلُّ مَنِ اسْتَمَعَ إلى هَذَا الدِّينَ وَعَقَلَهُ وَوَعَاهُ وَفَهِمَهُ، لَا بُدَّ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ وَيَسْتَسْلِمَ إِلَيْهِ.

وَلَمَّا دَخَلَ الأَعْرَابِيُّ الفِطْرِيُّ العَاقِلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَامِرَ الإِسْلَامِ وَمَنَاهِيَهُ، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ وَأَعْلَنَ إِسْلَامَهُ.

فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: بِمَ عَرَفْتَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ؟

فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: مَا أَمَرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ قَالَ العَقْلُ: لَيْتَهُ نَهى عَنهُ، وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لَيْتَهُ أَمَرَ بِهِ.

وَقَدْ أَدْرَكَ عَبْدُ المُطَّلِبِ حَقِّيَّةَ الآخِرَةِ بِعَقْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَاً: مَا مِنْ ظَالِمٍ يَشْتَدُّ ظُلْمُهُ إِلَّا انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.

فَقِيلَ لَهُ: فَلَانٌ جَارَ وَطَغَى.

فَقَالَ: انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ كَذَا.

فَقِيلَ لَهُ: فَلَانٌ.

فَقَالَ: انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ كَذَا.

فَقِيلَ لَهُ: فَلَانٌ جَارَ وَطَغَى وَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ.

فَفَكَّرَ طَوِيلَاً ثُمَّ قَالَ: إِذَاً لَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَإِلَى ذَلِكَ نَبَّهَ اللهُ تعالى العُقَلَاءَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَمَّا يَقُولُ الكُفَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. يَعْنِي: أَنَّهُمْ لَو سَمِعُوا لِهَذَا الدِّينِ لَعَلِمُوا وَعَقِلُوا أَوَامِرَهُ، وَمَعَانِيَهُ وَحِكَمَهُ وَأَحْكَامَهُ، لَكِنَّهُمْ عَمُوا وَصَمُّوا.

وَعَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ مُرْسَلَاً يَرْفَعُهُ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، إِنِّي بِكَ أُعْبَدُ، وَبِكَ أُعْرَفُ، وَبِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي».

فَأَحَبُّ العُقُولِ إلى اللهِ تعالى هُوَ عَقْلُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ أَكْمَلُ العُقُولِ وَأَرْجَحُهَا وَأَوْسَعُهَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

السبت: 10/رمضان/1439هـ، الموافق: 26/ أيار / 2018م