36ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم (3)

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

36ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم (3)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: 5ـ تَعْمِيَتُهُ الأُمُورَ عَلَى أَعْدَائِهِ وَتَلْبِيسُ الأُمُورِ عَلَيْهِمْ:

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّسُ أُمُورَ الحَرْبِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَيُعْمِيهَا عَنْهُمْ، كَيْلَا يَتَفَطَّنُوا لَهَا، وَيَسْتَعِدُّوا للدَّفْعِ، أَو يَزِيدُوا في الجَمْعِ، وَفِي ذَلِكَ حَقْنٌ للدِّمَاءِ.

جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ ـ أَيْ: غَزْوَةُ تَبُوكَ ـ غَزَاهَا في حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرَاً بَعِيدَاً، وَغَزَا عَدَدَاً كَبِيرَاً، فَجَلَّى للمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الذي  يُرِيدُ ـ أَيْ: فَصَرَّحَ لَهُمْ بِالجِهَةِ التي يُرِيدُهَا ـ وَلَمْ يُوَرِّ بِغَيْرِهَا.

كَمَا أَنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَبَّسَ الأَمْرَ عَلَى أَعْدَائِهِ لَيْلَةَ الهِجْرَةِ، حِينَ قَصَدُوا بَيْتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، فَأَمَرَ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يَنَامَ في فِرَاشِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَسَجَّى بِبُرْدَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

6ـ أَخْذُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالأَسْبَابِ التي فِيهَا تَخْوِيفٌ وَإِرْهَابٌ:

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ التي فِيهَا إِرْهَابُ أَعْدَائِهِ وَتَخْوِيفُهُمْ، وَذَلِكَ لِيُضْعِفَ مِنْ حِدَّتِهِمْ، وَيَكُفَّ مِنْ شَرِّهِمْ وَضُرِّهِمْ، وَشَرَاسَةِ نُفُوسِهِمْ.

فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَوَجَّهَ لِفَتْحِ مَكَّةَ، وَانْتَهَى إلى مَرِّ الظَّهْرَانِ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَوْقَدُوا عَشَرَةَ آلَافِ نَارٍ لِتَرَاهَا قُرَيْشٌ، وَتَرَهَبَ مِنْ كَثْرَتِهَا، حَتَّى قَالَ أَبُو سُفْيَانُ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ رَأَوْهَا مِنْ بَعِيدٍ: لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ ـ أَيْ: في كَثْرَتِهَا ـ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى الخَوْفَ في قُلُوبِهِمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمَا أَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ العَبَّاسَ أَنْ يُجْلِسَ أَباَ سُفْيَانَ عَلَى الطَّرِيقِ عِنْدَ مَضِيقِ خَطْمِ الجَبَلِ، وَذَلِكَ لِيُشَاهِدَ جُيُوشَ المُسْلِمِينَ وَكَتَائِبَهُمْ حِينَ تَمُرُّ عَلَيْهِ.

ثُمَّ جَعَلَتْ تَمُرُّ عَلَيْهِ كَتِيبَةً كَتِيبَةً، فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ للعَبَّاسِ: مَنْ هَذِهِ الكَتِيبَةُ يَا عَبَّاسُ؟ وَطَفِقِ العَبَّاسُ يُخْبِرُهُ عَنْ تِلْكَ الكَتَائِبِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَذِلَكَ مِمَّا حَمَلَ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى التَّضَامُنِ وَالاسْتِسْلَامِ، إلى أَنْ دَخَلَ في الإِسْلَامِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 16/رمضان/1439هـ، الموافق: 1/ حزيران / 2018م