601ـ خطبة الجمعة: يا من قال زوراً، وشهد زوراً

 

601ـ خطبة الجمعة: يا من قال زوراً، وشهد زوراً

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَوْلُ الزُّورِ انْتَشَرَ انْتِشَارَاً وَاسِعَاً يَكَادُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ، قَوْلُ الزُّورِ في شَوَارِعِنَا، وَقَوْلُ الزُّورِ في أَسْوَاقِنَا، وَقَوْلُ الزُّورِ في مَشَافِينَا، وَقَوْلُ الزُّورِ في مَكَاتِبِنَا، في مَدَارِسِنَا، في جَامِعَاتِنَا، في تَعَامُلَاتِنَا التِّجَارِيَّةِ، في تَعَامُلَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ، في جَمِيعِ مَيَادِينِ الحَيَاةِ، وَمَا مِنْ شَرِيحَةٍ مِنْ شَرَائِحِ المُجْتَمَعِ إِلَّا وَانْتَشَرَ فِيهَا قَوْلُ الزُّورِ قَوْلُ الكَذِبِ.

وَبِقَوْلِ الزُّورِ شُتِّتَ شَمْلُ الأُمَّةِ، وَوَقَعَ الظُّلْمُ وَعَمَّ وَطَمَّ، وَمُزِّقَ المُجْتَمَعُ، وَتَزَعْزَعَ أَمْنُهُ وَأَمَانُهُ.

الخَسَارَةُ وَالدَّمَارُ لِكُلِّ ظَالِمٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَرَى مِنَ الوَاجِبِ عَلَيَّ أَنْ أُسْمِعَ الأُمَّةَ الصَّائِمَةَ القَائِمَةَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

مَاذَا يَنْفَعُ الصِّيَامُ وَالقِيَامُ إِذَا كَانَ اللِّسَانُ كَذُوبَاً؟ مَاذَا يَنْفَعُ الصِّيَامُ وَالقِيَامُ إِذَا كَانَ الصَّائِمُ القَائِمُ ظَالِمَاً يَقُولُ زُورَاً، وَيَشْهَدُ زُورَاً، وَيُقْسِمُ بِاللهِ العَظِيمِ زُورَاً، وَبِذَلِكَ يُوقِعُ الظُّلْمَ عَلَى العِبَادِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَقُولُ لِكُلِّ مَنْ ظَلَمَ بِسَبَبِ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَيَمِينِ الزُّورِ، وَأَوْقَعَ الظُّلْمَ عَلَى الأَبْرِيَاءِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ، اسْمَعْ مَا أَقُولُ لَكَ حَتَّى لَا تَنْدَمَ:

أولاً: عَاقِبَةُ الظُّلْمُ خَسَارَةٌ وَدَمَارٌ، لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةُ اللهِ تعالى في كُلِّ ظَالِمٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾. مَهْمَا طَالَ اللَّيْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ، وَمَهْمَا طَالَ العُمُرُ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ القَبْرِ.

وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الظُّلْمُ لِعَبْدٍ ضَعِيفٍ مِسْكِينٍ لَا يَجِدُ لِنَفْسِهِ نَاصِرَاً مِنَ الخَلْقِ، فَيَا مَنْ ظَلَمَ مِثْلَ هَذَا الصِّنْفِ، اسْمَعْ مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ نَاصِرَاً غَيْرِي» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثانياً: كَيْفَ تَجْتَرِئُ عَلَى الظُّلْمِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ مَسْؤُولٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ؟ كَيْفَ تَجْتَرِئُ عَلَى الظُّلْمِ الذي حَرَّمَهُ اللهُ تعالى عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَـفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

ثالثاً: يَا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَوْلَ الزُّورِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَيَمِينَ الزُّورِ، فَصَارَ بِذَلِكَ مُجْرِمَاً، تَذَكَّرْ خِطَابَ اللهِ تعالى وَهُوَ يُخَاطِبُ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾.

وَإِذَا سَأَلْتَ مَا هيَ نَتِيجَتُهُمْ؟ أَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

وَاقْرَأْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَكُلَّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبَاً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَخِي الصَّائِمُ، حَافِظْ عَلَى صِيَامِكَ، فَلَا تَقُل زُورَاً، وَلَا تَشْهَدْ زُورَاً، وَلَا تُقْسِمْ بِاللهِ العَظِيمِ زُورَاً، لَا تُوقِعِ الظُّلْمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَاسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.

وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾.

وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمَاً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: قَائِلُ الزُّورِ، وَشَاهِدُ الزُّورِ، وَالحَالِفُ بِاللهِ زُورَاً، ظَالِمٌ، أَزَّهُ ظُلْمُهُ عَلَى الإِجْرَامِ أَزَّاً، وَلَبِسَ ثِيَابَ العُجْبِ وَالخُيَلَاءِ لِيَكُونَ لَهُ عِزَّاً، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مِنَ الظَّالِمِينَ مِمَّنْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ تعالى قَبْلَهُ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَاً﴾؟

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَالَ صِدْقَاً، وَشَهِدَ صِدْقَاً، وَحَلَفَ صِدْقَاً، وَاجْعَلْنَا مِنَ الصِّدِّيقِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ رمضان /1439هـ، الموافق: 1/ حزيران / 2018م