37ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم (4)

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

37ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم (4)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: 8ـ انْتِقَاؤُهُ الرُّسُلَ الأَذْكِيَاءَ العُقَلَاءَ لِيَبْعَثَهُمْ إلى الأُمَرَاءِ وَالمُلُوكِ، يُبَلِّغُونَ، وَيُدْلُونَ بِالحُجَجِ المَعْقُولَةِ، وَالحِكَمِ المَقْبُولَةِ:

يَشْهَدُ لَهُمْ بِذَلِكَ حُسْنُ عَرْضِهِمْ في مَوَاقِفِهِمْ مَعَ المُلُوكِ، وَقُوَّةِ بَيَانِهِمْ وَبُرْهَانِهِمْ، فَهَذَا العَلَاءُ بْنُ الحَضْرَمِيِّ يَبْعَثُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى المُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، وَمَعَهُ كِتَابٌ يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا مُنْذِرُ، إِنَّكَ عَظِيمُ العَقْلِ فَلَا تَصْغُرَنَّ في الآخِرَةِ، إِنَّ هَذِهِ المَجُوسِيَّةَ شَرُّ دِينٍ، لَيْسَ فِيهَا تَكْرِيمٌ للعَرَبِ، وَلَا عُلِمِ عِنْدَ أَهْلِ الكِتَابِ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ مَا يُسْتَحْيَا مِنْ نِكَاحِهِ، وَيَأْكُلُونَ مَا يُتَكَرَّمُ عَنْ أَكْلِهِ، وَيَعْبُدُونَ في الدُّنْيَا نَارَاً تَأْكُلُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَسْتَ بِعَدِيمِ العَقْلِ وَلَا الرَّأْيِ، فَانْظُرْ هَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَكْذِبُ في الدُّنْيَا أَنْ لَا تُصَدِّقَهُ؟ وَلِمَنْ لَا يَخُونُ أَنْ لَا تَأْمَنْهُ؟ وَلِمَنْ لَا يُخْلِفُ أَنْ لَا تَثِقَ بِهِ؟

فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذَا هُوَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الذي ـ وَاللهِ ـ لَا يَسْتَطِيعُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ مَا أَمَر بِهِ نَهَى عَنْهُ، وَمَا نَهَى عَنْهُ أَمَرَ بِهِ، أَو لَيْتَهُ زَادَ في عَفْوِهِ، أَو نَقَصَ مِنْ عِقَابِهِ إِذْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى أُمْنِيَةِ أَهْلِ العَقْلِ، وَفِكْرِ أَهْلِ النَّظَرِ.

فَقَالَ لَهُ المُنْذِرُ: قَدْ نَظَرْتُ في هَذَا الذي في يَدَيَّ ـ دِينِ المَجُوسِيَّةِ ـ فَوَجَدْتُهُ للدُّنْيَا دُونَ الآخِرَةِ، وَنَظَرْتُ في دِينِكُمْ فَرَأَيْتُهُ للآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ قَبُولِ دِينٍ فِيهِ أُمْنِيَةُ الحَيَاةِ وَرَاحَةُ المَوْتِ؟! وَلَقَدْ عَجِبْتُ أَمْسِ مِمَّنْ يَقْبَلُهُ ـ أَيْ: يَدْخُلُ في الإِسْلَامِ ـ وَعَجِبْتُ اليَوْمَ مِمَّنْ يَرُدُّهُ ـ أَيْ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ المَعْقُولُ ـ وَإِنَّ مِنْ إِعْظَامِ مَا جَاءَ بِهِ أَنْ يُعَظَّمَ رَسُولُهُ ـ وَسَأَنْظُرُ ـ أَيْ: فِيمَا أَصْنَعُ مِنَ الذَّهَابِ إلى هَذَا الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ أَو مُكَاتَبَتِهِ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ.

لَا في أَنْ يُسْلِمَ أَو لَا يُسْلِمَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَعَجِبْتُ اليَوْمَ مِمَّنْ يَرُدُّهُ، اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ دِينُ حَقٍّ. اهـ كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَهَذَا المُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيُّ، شَقِيقُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالَ أَحَدِ مُلُوكِ حِمْيَرَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ المُهَاجِرُ قَالَ لَهُ: يَا حَارِثُ إِنَّكَ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ المُصْطَفَى نَفْسَهُ فَخَطِئْتَ عَنْهُ، وَأَنْتَ أَعْظَمُ المُلُوكِ قَدْرَاً، وَإِذَا نَظَرْتَ في غَلَبَةِ المُلُوكِ فَانْظُرْ في غَالِبِ المُلُوكِ، وَإِذَا سَرَّكَ يَوْمُكَ فَخَفْ غَدَكَ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَكَ مُلُوكٌ ذَهَبَتْ آثَارُهَا، وَبَقِيَتْ أَخْبَارُهَا، عَاشُوا طَوِيلَاً وَأَمَّلُوا بَعِيدَاً، وَتَزَوَّدُوا قَلِيلَاً، فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ المَوْتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَتْهُ النِّقَمُ.

وَأَنَا أَدْعُوكَ إلى الرَّبِّ الذي إِنْ أَرَدْتَ الهُدْى لَمْ يَمْنَعْكَ، وَإِنْ أَرَادَكَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْكَ أَحَدٌ، وَأَدْعُوكَ إلى النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الذي لَيْسَ شَيْءٌ أَحْسَنَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَا أَقْبَحُ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ رَبَّاً يُمِيتُ الحَيَّ، وَيُحْيِي المَيِّتَ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. اهـ كَمَا في الرَّوْضِ الأُنْفِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

السبت: 17/رمضان/1439هـ، الموافق: 2/ حزيران / 2018م