41ـ الحجج الدالة على سعة علمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

41ـ الحجج الدالة على سعة علمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: سَعَةُ عِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَثْرَةُ عُلُومِهِ التي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تعالى الذي أَفَاضَهَا عَلَيْهِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسِعَ العِلْمِ، عَظِيمَ الفَهْمِ، أَفَاضَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ العُلُومَ النَّافِعَةَ الكَثِيرَةَ، وَالمَعَارِفَ العَالِيَةَ الوَفِيرَةَ، وَقَدْ أَعْلَنَ سُبْحَانَهُ وتعالى بِسَعَةِ عِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَ بِعَظِيمِ فَضْلِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَأَعْرَفُهُمْ بِاللهِ تعالى، كَمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا». وَفِي رِوَايَةِ الأَصِيلِيِّ: «أَنَا أَعْرَفُكُمْ بِاللهِ».

وَمَنْ تَدَبَّرَ في تَعَالِيمِ اللهِ تعالى لِرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ، الوَارِدَةِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ، يَتَّضِحُ لَهُ جَلِيَّاً أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلَّمَهُ اللهُ تعالى عُلُومَاً هِيَ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ وَأَجْمَعُ وَأَعَمُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ فَجِيءَ بِـ ﴿مَا﴾ التي هِيَ للعُمُومِ وَالشُّمُولِ، لِتَعُمَّ جَمِيعَ العُلُومِ التي عَلَّمَهَا اللهُ تعالى لِرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَلِتَشْمَلَ غَيْرَهَا مِنَ العُلُومِ التي أَفَاضَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ.

رَوَى الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَائِذٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في أُذُنِهِ رَضْوَانُ خَازِنُ الجَنَّةِ: أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ! فَمَا بَقِيَ لِنَبِيٍّ عِلْمٌ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيتَهُ، فَأَنْتَ أَكْثَرُهُمْ عِلْمَاً وَأَشْجَعُهُمْ قَلْبَاً. أَوْرَدَ ذَلِكَ العَلَّامَةُ القَسْطَلَانِيُّ في المَوَاهِبِ، نَقْلَاً عَنِ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الزَّرْكَـشِيِّ، قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَهَذَا أَرْسَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ وَصَلٌ في الأَصْلِ، وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، إِذْ لَا مَجَالَ فِيهِ للرَّأْيِ. اهـ.

وَجَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالمَسْأَلَةِ (أَيْ: أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الأَسْئِلَةَ) فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «سَلُونِي، لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا».

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَمُّوا (أَيْ: سَكَتُوا) وَرَهِبُوا (أَيْ: خَافُوا) أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ.

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينَاً وَشِمَالَاً، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ المَسْجِدِ، كَانَ يُلَاحَى فَيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟

قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»

ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولَاً، عَائِذَاً بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ فِي الْخَيْرِ وَالـشَّرِّ، إِنِّي صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائِطِ».

فَلْيَعْتَبِرِ المُعْتَبِرُ في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ». وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يَسْأَلَهُ الزِّيَادَةَ في العِلْمِ دَائِمَاً أَبَدَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً﴾.

وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ تعالى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَهُ الزِّيَادَةَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الزِّيَادَةَ مِنَ العِلْمِ.

فَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْأَبُ في دُعَائِهِ بِزِيَادَةِ العِلْمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ في اللَّيْلِ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمَاً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.

وَرَوَى الترمذي وابن ماجه بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمَاً، وَالحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ التَّرَقِّي في العُلُومِ وَالمَعَارِفِ الإِلَهِيَّةِ، تَتَوَارَدُ عَلَيْهِ الفُيُوضَاتُ الإِلَهِيَّةُ وَالفُتُوحَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ، كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا» الحَدِيثَ.

فَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُفِيضُ اللهُ تعالى عُلُومَاً وَمَعَارِفَ، وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ العُلُومِ المُفَاضَةِ عَلَيْهِ، حَسْبَ مَا يَحْتَاجُونَ وَيَتَحَمَّلُونَ وَيَسْتَعِدُّونَ عَلَى الوَجْهِ الذي أَمَرَهُ اللهُ تعالى بِهِ.

هَذَا، وَإِنَّ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِيطَ بِأَبْوَابِ عُلُومِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بِأَنْوَاعِهَا بَلْ وَلَا أَجْنَاسِهَا، لَا يُحِيطُ بِذَلِكَ إِلَّا اللهُ تعالى الذي أَفَاضَ عَلَيْهِ جَمِيعَ ذَلِكَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 20/رمضان/1439هـ، الموافق: 5/ حزيران / 2018م