78ـ زيارته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لضعفاء المسلمين

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

78ـ زيارته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لضعفاء المسلمين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: زِيَارَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِضُعَفَاءِ المُسْلِمِينَ عَامَّةً وَلِأَهْلِ الصُّفَّةِ خَاصَّةً:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيُلَاطِفُهُمْ وَيُؤَانِسُهُمْ، وَيَجْلِسُ مَعَهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَحْضُرُ جَنَائِزَهُمْ، وَفِي هَذَا تَكْرِيمٌ لَهُمْ، وَتَبْرِيكٌ عَلَيْهِمْ، وَمُوَاسَاةٌ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِمْ، لِيَشْعُرُوا بِعِزَّتِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ.

فَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ». عَزَاهُ في الجَامِعِ الصَّغِيرِ إلى الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي يَعْلَى وَالحَاكِمِ رَامِزَاً إلى صِحَّتِهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ (أَيْ: جَمَاعَةٍ) مِنْ ضُعَفَاءِ المُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ العُرْيِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: وَقَفَ مُشْرِفَاً عَلَيْنَا) سَكَتَ الْقَارِئُ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟».

قُلْنَا: نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللهِ تعالى.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ».

قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينَا ـ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا ـ  (أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِمْ) فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْـشِرُوا يَا مَـعْشَرَ صَعَالِيكِ (أَيْ: فُقَرَاءِ) المُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَاكَ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ».

وَكَانَتْ صُفَّةُ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مَدْرَسَةً للقُرَّاءِ، يَأْوِي إِلَيْهَا فُقَرَاءُ الصَّحَابَةِ، مِمَّنْ لَا أَهْلَ لَهُمْ، فَيَتَدَارَسُونَ القُرْآنَ وَيَتَعَلَّمُونَ أُمُورَ الدِّينِ وَأَحْكَامَهُ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ في نَوَاحِي البِلَادِ، وَمُخْتَلَفِ الآفَاقِ فَيُعَلِّمُونَ النَّاسَ ذَلِكَ.

تَفَقُّدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ في اللَّيْلِ وَاسْتِمَاعُهُ إلى قِرَاءَتِهِمْ:

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ».

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وِالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ (أَيْ: بِالقِرَاءَةِ) وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعَاً صَوْتَهُ (بِالقِرَاءَةِ).

فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ (أَيْ: بِالقِرَاءَةِ)».

قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئَاً» كَمَا فِي رِوَايَةٍ.

وَقَالَ لِعُمَرَ: «مَرَرْتُ بِكَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعَاً صَوْتَكَ».

فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئَاً».

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلَالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ».

قَالَ: كَلَامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ اللهُ تَعَالَى بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ ـ أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ ـ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 20/صفر الخير /1440هـ، الموافق: 29/ تشرين الأول / 2018م