36ـالإنسان في القرآن العظيم: أهمية تزكية النفس

 

الإنسان في القرآن العظيم

36ـ أهمية تزكية النفس

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ إِنَّ فَلَاحَ العَبْدِ وَنَجَاحَهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُوَ مَطْلَبُ العَامِلِينَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا في القُرْآنِ العَظِيمِ أَنَّ النَّفْسَ لَهَا هَوَىً، وَالهَوَى شُعُورٌ يَمِيلُ بِالنَّفْسِ إلى مَا تُحِبُّ، وَقَدْ يَكُونُ مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ شَرَّاً لَهَا وَأَذَىً وَضَرَّاً، لِذَلِكَ دَعَانَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إلى تَزْكِيَةِ هَذِهِ النَّفْسِ وَمُخَالَفَةِ هَوَاهَا إِذَا كَانَ شَرَّاً وَمَعْصِيَةً، فَقَالَ تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَابَ اللهُ تعالى عَلَى المُشْرِكِينَ الذينَ يَتَّبِعُونَ هَوَى النَّفْسِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾.

وَخَاطَبَ اليَهُودَ الذينَ اتَّبَعُوا هَوَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقَاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقَاً تَقْتُلُونَ﴾. وَقَالَ في حَقِّهِمْ كَذَلِكَ: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقَاً كَذَّبُوا وَفَرِيقَاً يَقْتُلُونَ﴾.

أَهَمِّيَّةُ تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ، وَمُخَالَفَةَ هَوَاهَا، أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدَّاً للإِنْسَانِ الذي يُفَكِّرُ في فَلَاحِهِ وَنَجَاحِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾. فَكِّرُوا كَمْ قَسَما أَقْسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَى فَلَاحِ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ، وَمُخَالَفَةَ هَوَاهَا، تَحْتَاجُ إلى قُدْرَةٍ كَبِيْرَةٍ، وَعَزِيْمَةٍ قَوِيَّةٍ، فَكَمْ مِنْ أَقْوَامٍ أَطْلَقُوا العِنَانَ لِنُفُوسِهِمْ فِيمَا تُحِبُّ، فَأَوْقَعَتْهُمْ فِيمَا كَرِهُوا، وَنَدِمُوا وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَعْهُمُ النَّدَمُ.

العَبْدُ لَا يَبْلُغُ دَرَجَةَ التَّقْوَى حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَيَلْتَزِمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَحَتَّى يَسْمَعَ قَوْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِذْ يَقُولُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا. رواه الترمذي.

وفي روِايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ.

فَمَا مِنْ عَبْدٍ يَنْهَى نَفْسَهُ عَنِ الهَوَى وَيَزْجُرُهَا، إِلَّا كَانَ نَهْيُهُ إِيَّاهَا عِبَادَةً للهِ تعالى يُثَابُ عَلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الإمام أحمد عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ».

وَالعَبْدُ يَحْتَاجُ إلى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ إلى جِهَادِ الكُفَّارِ، لِأَنَّ جِهَادَ النَّفْسِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَجِهَادَ الكُفَّارِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِشَكْلٍ عَامٍّ.

روى الحاكم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَاً لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَاً، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ عَنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارَاً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ فَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ، أُكْرِهْتِ؟

قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَةُ.

قَالَ: فَتَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ قَطُّ.

قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالَ: اذْهَبِي وَالدَّنَانِيرُ لَكِ.

ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَا يَعْصِي الكِفْلُ رَبَّهُ أَبَدَاً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَأَصْبَحَ مَكْتُوبَاً عَلَى بَابِهِ: قَدْ غُفِرَ لِلْكِفْلِ».

المُؤْمِنُ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنَّ المُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ للهِ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ، إِنَّ المُؤْمِنَ يَفْجَؤُهُ الـشَّيْءُ فَيُعْجِبُهُ فَيَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَشْتَهِيكَ وَإِنَّكَ لَمِنْ حَاجَتِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا مِنْ وُصْلَةٍ إِلَيْكَ، هَيْهَاتَ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَيَفْرُطُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَيَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا، مَا لِي وَلِهَذَا، مَا لِي عُذْرٌ بِهَا، وَاللهِ لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا أَبَدَاً إِنْ شَاءَ اللهُ، إِنَّ المُؤْمِنِينَ قَوْمٌ أَوْثَقَهُمُ الْقُرْآنُ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَلَكَتِهِمْ، إِنَّ المُؤْمِنَ أَسِيرٌ فِي الدُّنْيَا يَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ، لَا يَأْمَنُ شَيْئَاً حَتَّى يَلْقَى اللهَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ خَافَ الوَعِيدَ قَصُرَ عَلَيْهِ البَعِيدُ، وَمَنْ طَالَ أَمَلُهُ ضَعُفَ عَمَلُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَمَا شَغَلَ عَنِ اللهِ فَهُوَ شُؤْمٌ.

عَلَى هَذَا فَلْيُغَنِّ مَنْ غَنَّى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ، عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ قَوْمَاً أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا إِمَامَاً إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَغَنَّى.

فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هُوَ؟

فَذُكِرَ لَهُ الرَّجُلُ.

فَقَالَ: قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّا إِنْ وَجَّهْنَا إِلَيْهِ يَظُنُّ أَنَّا تَجَسَّسْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ.

قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوُا الرَّجُلَ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ.

فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى عُمَرَ قَامَ فَاسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا حَاجَتُكَ؟ وَمَا جَاءَ بِكَ؟ إِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَنَا؛ كُنَّا أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْكَ أَنْ نَأْتِيَكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَكَ؛ فَأَحَقُّ مَنْ عَظَّمْنَاهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيَحَكَ، بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ سَاءَنِي.

قَالَ: وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟

قَالَ: أَتَتَمَجَّنُ فِي عِبَادَتِكَ؟

قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهَا عِظَةٌ أَعِظُ بِهَا نَفْسِي.

قَالَ عُمَرُ: قُلْهَا، فَإِنْ كَانَ كَلَامَاً حَسَنَاً قُلْتُهُ مَعَكَ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحَاً نَهَيْتُكَ عَنْهُ.

فَقَالَ:

وَفُـؤَادِي كُـلَّـمَـا عَـاتَـبْتُـهُ   ***   فِي مَدَى الْهِجْرَانِ يَبْغِي تَعَبِي

لَا أَرَاهُ الـــــدَّهْرَ إِلَّا لَاهِيَاً   ***   فِي تَـمَـادِيـهِ فَـقَـدْ بَـرَّحَ بِـي

يَا قَرِينَ السُّوءِ مَا هَذَا الصِّبَا   ***   فَنِيَ الْـعُـمْـرُ كَـذَا فِي اللَّعِبِ

وَشَـبَـابٌ بَـانَ عَنِّي فَمَضَى    ***   قَبْلَ أَنْ أَقْـضِـيَ مِـنْـهُ أَرَبِـي

مَـا أُرَجِّـي بَـعْـدَهُ إِلَّا الْـفَنَا    ***   ضَيَّقَ الشَّيْبُ عَلَيَّ مَـطْـلَـبِي

وَيْـحَ نَـفْـسِي لَا أَرَاهَـا أَبَـدَاً   ***   فِي جَـمِـيـلٍ لَا وَلَا فِي أَدَبِ

نَفْسِ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى   ***   رَاقِبِي المَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رِضِيَ اللهُ عَنْهُ:

نَفْسِ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى   ***   رَاقِبِي المَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي

ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى هَذَا فَلْيُغَنِّ مَنْ غَنَّى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا حَبَّذَا مَنْ يُغَنِّي للمُسْلِمِينَ اليَوْمَ وَللمُسْلِمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، أَنْ يَلْتَزِمُوا مِثْلَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ التي أَقَرَّهَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فِيهَا مُحَاسَبَةٌ للنَّفْسِ، وَمُخَالَفَةٌ للهَوَى، لِأَنَّهُ وَاللهِ مَا أَفْلَحَ مَنْ أَفْلَحَ إِلَّا بِمُخَالَفَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، اسْتِعْدَادَاً لِعَالَمِ البَرْزَخِ، وَمَا بَعْدَهُ.

روى البيهقي وابْنُ المُبَارَكِ في الزُّهْدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي هَذِهِ التِّبْنَةُ، لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئَاً، لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيَاً مَنْسِيَّاً.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَلَا لَيْتَ أَنَّ أُمَّ عُمَرَ لَمْ تَلِدْهُ، يَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَاقِرَاً لَمْ تُعَالِجْ حَمْلَهَا، أَلَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا وَلَهَا(أَيْ بِمَا لَهَا مِنْ فَضْلٍ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ التَّبِعَاتِ وَالَمسْؤُولِيَّاتِ).

السَّعِيدُ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، وَخَالَفَ هَوَاهَا، لِأَنَّ الهَوَى يَسْرِي بِصَاحِبِهِ في فُنُونٍ، وَيُخْرِجُهُ عَنْ دَائِرَةِ العَقْلِ إلى دَائِرَةِ الجُنُونِ، الهَوَى أَخْرَجَ بَعْضَ طَلَبَةِ العِلْمِ إلى ضِدِّ مَا أَمَرَ بِهِ العِلْمُ، وَأَخْرَجَ أَهْلَ الزُّهْدِ مِنْ زُهْدِهِمْ إلى الرِّيَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَن قَالَ:

وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا   ***   وَإِنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 22/ صفر الخير /1440هـ، الموافق: 31 / تشرين الأول / 2018م