626ـ خطبة الجمعة: حق سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا (1)

 

626ـ خطبة الجمعة: حق سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا (1)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ رَبِيعٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ، كُلُّ رَبِيعٍ وَأُمَّتُنَا بِخَيْرٍ.

عِبَادَ اللهِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَقُولُ: أَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي وَالرَّائِشُ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

السَّارِقُ وَالنَّاهِبُ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

العَاصِي وَالمُرْتَكِبُ الكَبَائِرَ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

الجَائِرُ وَالظَّالِمُ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

المُرَابِي وَآكِلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالقَاطِعُ للرَّحِمِ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

المَرْأَةُ السَّافِرَةُ المُتَبَرِّجَةُ تَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

المَرْأَةُ النَّاشِزَةُ العَاقَّةُ لِزَوْجِهَا تَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

الحَاقِدُ الحَاسِدُ المُغْتَابُ النَّمَّامُ يَقُولُ: أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

الكُلُّ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَعَلَى جَمِيعِ المُسْتَوَيَاتِ يَقُولُونَ: نُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

هَلْ صَدَقْنَا في حُبِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ تَذَكَّرْنَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟

وَهَلْ تَذَكَّرْنَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾؟

وَهَلْ تَذَكَّرْنَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؟

وَهَلْ تَذَكَّرْنَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً﴾؟

اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي قَوْلَ مَنْ تَدَّعُونَ مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرْ مَا تَقُولُ، إِنَّ لِكُلُّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟». رواه البيهقي عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَمَا هِيَ حَقِيقَةُ مَحَبَّتِنَا؟

حَقُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: حَقُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا عَظِيمٌ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَالرَّحْمَةِ العُظْمَى؛ مِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ:

أولاً: حَقُّ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. وَمَنْ حُرِمَ نِعْمَةَ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُرِمَ نَعِيمَ الآخِرَةِ وَكَانَ مِنَ الخَاسِرِينَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

وَخَيْرُ هَذَا الإِيمَانِ عَائِدٌ إِلَيْنَا، فَالإِيمَانُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُوجِبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، كَمَا أَنَّ الكُفْرَ بِهِ مُوجِبٌ لِدُخُولِ النَّارِ.

ثانياً: حَقُّ طَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً مُطْلَقَةً، بِدُونِ قَيْدٍ أَو شَرْطٍ، لِأَنَّ طَاعَتَهُ عَيْنُ طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَمَعْصِيَتَهُ عَيْنُ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.

وَلَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بَعْدَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِطَاعَتِهِ طَاعَةً مُطْلَقَةً، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».

ثالثاً: حَقُّ تَحْكِيمِ شَرِيعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا؛ مِنْ حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وُجُوبُ تَحْكِيمِ سُنَّتِهِ فِينَا، وَوُجُوبُ التَّحَاكُمِ إِلَيْهِ، وَأَنْ نَسْتَجِيبَ لِمَنْ دَعَانَا إلى التَّحَاكُمِ إِلَيْهَا، وَأَنْ نَرْضَى بِحُكْمِهِ، وَنُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمَاً، وَأَنْ لَا يَكُونَ في صُدُورِنَا حَرَجٌ مِنْ أَيِّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾.

وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنَ المُنَافِقِينَ الذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضُ النِّفَاقِ، قَالَ تعالى: ﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.

رابعاً: حَقُّ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبَّاً صَادِقَاً، فَأَصْلُ مَحَبَّتِهِ مِنْ أُصُولِ الإِيمَانِ، وَكَمَالُهَا مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَالوَلَدِ وَالوَالِدِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»

وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ».

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُمَّتُنَا هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، وَهِيَ أَفْضَلُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تعالى، إِنْ قَامَتْ بِالوَاجِبِ الذي عَلَيْهَا نَحْوَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ إِيمَانٍ وَطَاعَةٍ وَاتِّبَاعٍ وَتَقْدِيمِ شَرِيعَتِهِ، وَتَسْلِيمٍ مُطْلَقٍ، وَمَحَبَّةٍ صَادِقَةٍ، وَإِلَّا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى سَوْفَ يُضْرَبُ عَلَيْهَا الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ الرَّبِيعِ شَهْرُ التَّنَافُسِ في التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْطَاءِ حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَوْجَبَهُ اللهُ تعالى عَلَيْنَا.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقَّ الاتِّبَاعِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ ربيع الأول /1440هـ، الموافق: 9/ تشرين الثاني / 2018م