85ـ في عظيم شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

85ـ في عظيم شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فِي عَظِيمِ شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في وَصْفِهِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آُلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرَاً، وَأَشْجَعَهُمْ قَلْبَاً، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً. الحَدِيثُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَرَتِ الصَّحَابَةَ المَخَاوِفَ، أَسْرَعَ بِنَفْسِهِ إلى كَشْفِهَا وَإِزَالَتِهَا:

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ (وَذَلِكَ مِنْ صَوْتٍ سَمِعُوهُ) ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَاجِعَاً، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَاسْتَبْرَأَ الخَبَرَ (أَيْ: كَشَفَ الخَبَرَ وَعَرَفَهُ) عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ (أَيْ: لَيْسَ عَلَى الفَرَسِ سَرْجٌ وَلَا أَرَاةٌ) وَالسَّيْفُ في عُنُقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا» رواه الشيخان. قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: لَنْ هُنَا بِمَعْنَى: لَمْ، أَيْ: لَيْسَ هُنَالِكَ شَيْءٌ تَخَافُونَهُ، وَالعَرَبُ قَدْ تَضَعُ لَنْ وَلَمْ مَوْضِعَ لَا.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الفَرَسَ كَانَ يَبطُؤُ ـ أَيْ: لَا يُسْرِعُ ـ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: بِفَتْحِ اليَاءِ وَسُكُونِ المُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الطَّاءِ مُخَفَّفَاً وَبِالهَمْزِ).

فَلَمَّا رَكِبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَارَ سَرِيعَاً، وَقَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرَاً» أَيْ: سَرِيعَ الجَرْيِ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ أَشْجَعَ وَلَا أَنْجَدَ (أَيْ: وَلَا أَكْثَرَ نَجْدَةً مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) وَلَا أَجْوَدَ وَلَا أَرْضَى مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَلَمَّتْ بِهِمُ الُملِمَّاتُ، وَأَحَاطَتْ بِهِمُ المَخَاوِفُ، لَاذُو بِجَنَابِهِ الرَّفِيعِ، وَاحْتَمُوا بِحِمَاهُ المَنِيعِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنَّا (أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ) إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا اشْتَدَّ البَأْسُ ـ وَاحْمَرَّتِ الحَدَقُ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلى العَدُوِّ مِنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَقْرَبُنَا إلى العَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسَاً عَلَى الأَعْدَاءِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ: الشُّجَاعُ هُوَ الذي يَقْرُبُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَنَا العَدُوُّ ـ أَيْ: مِنَ المُسْلِمِينَ عِنْدَ المُقَاتَلَةِ ـ لِقُرْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ العَدُوِّ ـ أَيْ: في شِدَّةِ المَعَارِكِ ـ.

وَلَقَدْ ثَبَتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَثَبَّتَ قُلُوبَ الصَّحَابَةِ، وَتَقَدَّمَ نَحْوَ صُفُوفِ العَدُوِّ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، غَيْرُ مُبَالٍ وَلَا هَيَّابٍ، وَيَقُولُ بِكُلِّ جَرَاءَةٍ وَثَبَاتٍ:

أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ   ***   أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ

عَزَاهُ المُنْذِرِيُّ في التَّرْغِيبِ إلى الإِمَامِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ.

أَيْ: أَنَا لَسْتُ بِكَاذِبٍ فَأَنْهَزِمُ، بَلْ أَنَا النَّبِيُّ الصَّادِقُ المُؤَيَّدُ بِتَأْيِيدِ اللهِ تعالى وَنَصْرِهِ، وَالوَاثِقُ كُلَّ الثِّقَةِ بِعِزَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَقُدْرَتِهِ وَنُصْرَتِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى البَيْهَقِيُّ في الدَّلَائِلِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (قَالَ العَلَّامَةُ الخَفَاجِيُّ في شَرْحِ الشِّفَاءِ: هَذَا الحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ مُرْسَلَاً وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ في مُصَنَّفِهِ، وَالوَاقِدِيُّ في مَغَازِيهِ، وَابْنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ. اهـ).

أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ المُشْرِكَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، وَقَدْ كَانَ أُبَيٌّ يَقُولُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَدَى يَوْمَ بَدْرٍ: عِنْدِي فَرَسٌ أَعْلِفُهُا كُلَّ يَوْمٍ فَرَقَاً (أَيْ: مِكْيَالَاً كَبِيرَاً) مِنْ ذُرَةٍ، أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللهُ».

فَلَمَّا رَآهُ ـ أَيْ: رَأَى أُبَيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ أُحُدٍ، شَدَّ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ عَلَى فَرَسِهِ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَرَضَهُ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا ـ أَيْ: تَنَحُّوا وَلَا تَحُولُوا بَيْنِي وَبَيْنَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفَ، وَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَرْبَةَ مِنَ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الصَّحَابِيِّ، فَانْتَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَا انْتِفَاضَةً ـ أَيْ: قَامَ بِالحَرْبَةِ قَوْمَةً سَرِيعَةً ـ تَطَايَرُوا (أَيْ: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الكُفَّارِ تَفَرَّقُوا فَارِّينَ بِسُرْعَةٍ كَالطُّيُورِ) تَطَايُرَ الشَّعْرَاءِ (أَيْ: الذُّبَابَةِ عَنْ ظَهْرِ البَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ).

ثُمَّ اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ بِالحَرْبَةِ، فَطَعَنَهُ في عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأَدَأَ (أَيْ: سَقَطَ) مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارَاً.

وَقِيلَ: بَلْ كُسِرَ ضِلْعٌ مِنْ أَضْلَاعِهِ.

فَرَجَعَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ إلى قُرَيْشٍ وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ.

فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ كَانَ مَا بِي ـ مِنَ الأَلَمِ وَالشِّدَّةِ ـ بِجَمِيعِ النَّاسِ لَقَتَلَهُمْ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أَنَا أَقْتُلُكَ؟ وَاللهِ لَو بَصَقَ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ لَقَتَلَنِي، ثُمَّ مَاتَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ بِسَرِفٍ في قُفُولِهِمْ إلى مَكَّةَ (أَيْ: حِينَ رَجَعَ الكُفَّارُ إلى مَكَّةَ).

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 16/ربيع الأول /1440هـ، الموافق: 23/ تشرين الثاني / 2018م